وقال الزمخشري : و﴿هُمْ أَحْسَنُ﴾ في محل النصب صفة لكم. ألا ترى أنك لو تركت ﴿هُمْ﴾ لم يكن لك بد من نصب ﴿أَحْسَنُ﴾ على الوصفية انتهى. وتابعه أبو البقاء على أن ﴿هُمْ أَحْسَنُ﴾ صفة لكم، ونص أصحابنا على أن ﴿كَمْ﴾ الاستفهامية والخبرية لا توصف ولا يوصف بها، فعلى هذا يكون ﴿هُمْ أَحْسَنُ﴾ في موضع الصفة لقرن، وجمع لأن القرن هو مشتمل على أفراد كثيرة فروعي معناه، ولو أفرد الضمير على اللفظ لكان عربياً فصار كلفظ جميع. قال ﴿لَّمَّا جَمِيعٌ لَّدَيْنَا مُحْضَرُونَ﴾ وقال : نحن جميع منتصر فوصفه بالجمع وبالمفرد وتقدم تفسير الأثاث في سورة النحل.
وقرأ الجمهور بالهمزة من رؤية العين فعل بمعنى مفعول كالطحن والسقي. وقال ابن عباس : الرئي المنظر. وقال الحسن : معناه صوراً. وقال الزهري وأبو جعفر وشيبة وطلحة في رواية الهمداني وأيواب وابن سعدان وابن ذكوان وقالون ورياً بتشديد الياء من غير همز، فاحتمل أن يكون مهموز الأصل من الرواء والمنظر سهلت همزته بإبدالها ياء ثم أدغمت الياء في الياء، واحتمل أن يكون من الريّ ضد العطش لأن الريان من الماء له من الحسن والنضارة ما يستحب ويستحن، كماله منظر حسن من وجه آخر مما يرى ويقابل. وقرأ أبو بكر في رواية الأعمش عن عاصم وحميد بياء ساكنة بعدها همزة
٢١٠
وهو على القلب ووزنه فلعا، وكأنه من راء. قال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
وكل خليل راءني فهو قائلمن أجل هذا هامة اليوم أو غدوقرىء ورياءً بياء بعدها ألف بعدها همزة، حكاهها اليزيدي وأصله ورئاء من المراءاة أي يرى بعضهم بعضاً حسنه. وقرأ ابن عباس، فيما روي عنه طلحة ورياً من غير همز ولا تشديد، فتجاسر بعض الناس وقال هي لحن وليس كذلك بل لها توجيه بأن تكون من الرواء، وقلب فصار ثم نقلت حركة الهمزة إلى الياء وحذفت، أو بأن تكون من الريّ وحذفت إحدى الياءين تخفيفاً كما حذفت في لا سيما، والمحذوفة الثانية لأنها لام الكلمة لأن النقل إنما حصل للكلمة بانضمامها إلى الأولى فهي أولى بالحذف. وقرأ ابن عباس أيضاً وابن جبير ويزيد البربري والأعسم المكي وزياً بالزاي مشدد الياء وهي البزة الحسنة، والآلات المجتمعة المستحسنة.
﴿قُلْ مَن كَانَ فِى الضَّلَـالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمَـانُ مَدًّا حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا * وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوا هُدًى وَالْبَـاقِيَـاتُ الصَّـالِحَـاتُ خَيْرٌ عِندَ رَبِّكَ ثَوَابًا وَخَيْرٌ مَّرَدًّا * أَفَرَءيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِـاَايَـاتِنَا وَقَالَ لاوتَيَنَّ مَالا وَوَلَدًا * أَطَّلَعَ الْغَيْبَ أَمِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـانِ عَهْدًا * كَلا سَنَكْتُبُ مَا يَقُولُ وَنَمُدُّ لَه مِنَ الْعَذَابِ مَدًّا * وَنَرِثُه مَا يَقُولُ وَيَأْتِينَا فَرْدًا * وَاتَّخَذُوا مِن دُونِ اللَّهِ ءَالِهَةً لِّيَكُونُوا لَهُمْ عِزًّا * كَلا سَيَكْفُرُونَ بِعِبَادَتِهِمْ وَيَكُونُونَ عَلَيْهِمْ ضِدًّا﴾.
﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ يحتمل أن يكون على معناه من الطلب ويكون دعاء، وكان المعنى الأضل منا ومنكم مدّ الله له، أي أملى له حتى يؤول إلى عذابه. وكان الدعاء على صيغة الطلب لأنه الأصل، ويحتمل أن يكون خبراً في المعنى وصورته صورة الأمر، كأنه يقول : من كان ضالاً من الأمم فعادة الله له أنه يمدد له ولا يعاجله حتى يفضي ذلك إلى عذابه في الآخرة. وقال الزمخشري : أخرج على لفظ الأمر إيذاناً بوجوب ذلك، وإنه مفعول لا محالة كالمأمور به الممتثل ليقطع معاذير الضال، ويقال له يوم القيامة ﴿أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ﴾ أو كقوله ﴿إِنَّمَا نُمْلِى لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْمًا ﴾ والظاهر أن ﴿حَتَّى ﴾ غاية لقوله ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ والمعنى إن الذين في الضلالة ممدود لهم فيها إلى أن يعاينوا العذاب بنصرة الله المؤمنين أو الساعة ومقدماتها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢


الصفحة التالية
Icon