وقال الزمخشري : في هذه الآية وجهان أحدهما أن تكون متصلة بالآية التي هي رابعتها، والآيتان اعتراض بينهما أي قالوا ﴿أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ ﴿حَتَّى إِذَا رَأَوْا مَا يُوعَدُونَ﴾ أي لا يبرحون يقولون هذا القول ويتولعون به لا يتكافون عنه إلى أن يشاهدوا الموعود رأي عين ﴿إِمَّا الْعَذَابَ﴾ في الدنيا وهي غلبة المسلمين عليهم، وتعذيبهم إياهم قتلاً وأسراً، وإظهار الله دينه على الدين كله على أيديهم وإما يوم القيامة وما ينالهم من الخزي والنكال فحينئذ يعلمون عند المعاينة أن الأمر على عكس ما قدروه، وأنهم ﴿شَرٌّ مَّكَانًا وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ لا ﴿خَيْرٌ مَّقَامًا وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ وأن المؤمنين على خلاف صفتهم. انتهى هذا الوجه وهو في غاية البعد لطول الفصل بين قوله قالوا :﴿أَىُّ الْفَرِيقَيْنِ﴾ وبين الغاية وفيه الفصل بجملتي اعتراض ولا يجيز ذلك أبو علي.
قال الزمخشري : والثاني أن يتصل بما يليها فذكر نحواً مما قدمناه، وقابل قولهم خير مكاناً بقوله ﴿شَرٌّ مَّكَانًا﴾ وقوله ﴿وَأَحْسَنُ نَدِيًّا﴾ بقوله ﴿وَأَضْعَفُ جُندًا﴾ لأن الندي هو المجلس الجامع لوجوه القوم والأعوان، والأنصار والجند هم الأعوان، والأنصار و﴿إِمَّا الْعَذَابَ وَإِمَّا السَّاعَةَ﴾ بدل من ما المفعولة برأوا. و﴿مِنْ﴾ موصولة مفعولة بقوله ﴿فَسَيَعْلَمُونَ﴾ وتعدى إلى واحد واستفهامية، والفعل قبلها معلق والجملة في موضع نصب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
ولما ذكر إمداد الضال في ضلالته وارتباكه في الافتخار بنعم الدنيا عقب ذلك بزيادة هدى للمهتدي وبذكر التي هي بدل من تنعمهم في الدنيا الذي يضمحل ولا يثبت. و﴿وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ معناه مرجعاً وتقدم تفسير ﴿يَعْمَلُونَ الصَّـالِحَـاتِ﴾ في الكهف. وقال الزمخشري :﴿يَزِيدُ﴾ معطوف على موضع فليمدد لأنه واقع موقع الخبر تقديره من كان في الضلالة مداً ويمد له الرحمن ﴿وَيَزِيدُ﴾ أي يزيد في ضلال الضال بخذلانه، ويزيد المهتدين هداية بتوفيقه انتهى. ولا يصح أن يكون ﴿وَيَزِيدُ﴾ معطوفاً على موضع ﴿فَلْيَمْدُدْ﴾ سواء كان دعاء أم خبراً بصورة الأمر لأنه في موضع الخبر إن كانت ﴿مِنْ﴾ موصولة أو في موضع الجواب إن كانت ﴿مِنْ﴾ شرطية، وعلى كلا التقديرين فالجملة من قوله ﴿وَيَزِيدُ اللَّهُ الَّذِينَ اهْتَدَوا هُدًى﴾ عارية من ضمير يعود على من يربط جملة الخبر بالمبتدأ أو جملة الشرط بالجزاء الذي هو فليمدد وما عطف عليه لأن المعطوف على الخبر خبر، والمعطوف على جملة الجزاء جزاء، وإذا كانت أداة الشرط اسماً لا ظرفاً تعين أن يكون في جملة الجزاء ضميره أو ما يقول مقامه، وكذا في الجملة المعطوفة عليها. وقال الزمخشري : هي ﴿خَيْرٌ﴾ ﴿ثَوَابًا﴾ من مفاخرات الكفار ﴿وَخَيْرٌ مَّرَدًّا﴾ أي وخير مرجعاً وعاقبة أو منفعة من قولهم ليس لهذا الأمر مرد وهل يرد مكاني زيداً. فإن قلت : كيف قيل خير ثواباً كان لمفاخراتهم
٢١٢
ثواباً حتى يجعل ثواب الصالحات خيراً منه ؟ قلت : كأنه قيل ثوابهم النار على طريقة قوله فاعتبوا بالصيلم. وقوله :
شجعاء جربها الذميل تلوكهأصلاً إذا راح المطي غراثاً
وقوله.
تحية بينهم ضرب وجيع
ثم بنى عليه خير ثواباً وفيه ضرب من التهكم الذي هو أغيظ للمتهدد من أن يقال له عقابك النار. فإن قلت : فما وجه التفضيل في الخبر كان لمفاخرهم شركاء فيه ؟ قلت : هذا من وجيز كلامهم يقولون : الصيف أحر من الشتاء أي أبلغ في حره من الشتاء في برده انتهى.
﴿أَفَرَءيْتَ الَّذِى كَفَرَ بِـاَايَـاتِنَا﴾ نزلت في العاصي بن وائل عمل له خباب بن الأرث عملاً وكان قيناً، فاجتمع له عنده دين فتقاضاه فقال : لا أنصفك حتى تكفر بمحمد، فقال خباب : لا أكفر بمحمد حتى يميتك الله ويبعثك. فقال العاصي : أو مبعوث أنا بعد الموت ؟ فقال خباب : نعم، قال : فائت إذا كان ذلك فسيكون لي مال وولد وعند ذلك أقضيك دينك. وقال الحسن : نزلت في الوليد بن المغيرة وقد كانت للوليد أيضاً أقوال تشبه هذا الغرض، ولما كانت رؤية الأشياء سبيلاً إلى الإحاطة بها وصحة الخبر عنها استعملوا أرأيت بمعنى أخبر، والفاء للعطف أفادت التعقيب كأنه قيل : أخبر أيضاً بقصة هذا الكافر عقيب قصة أولئك، والآيات : القرآن والدلالات على البعث. وقرأ الجمهور ﴿وَلَدًا﴾ أربعتهن هنا، وفي الزخرف بفتح اللام والواو ويأتي الخلاف في نوح. وقرأ الأعمش وطلحة والكسائي وابن أبي ليلى وابن عيسى الأصبهاني بضم الواو وإسكان اللام، فعلى قراءة الجمهور يكون المعنى على الجنس لا ملحوظاً فيه الإفراد وإن كان مفرد اللفظ، وعلى هذه القراءة فقيل هو جمع كأسد وأسد، واحتج قائل ذلك بقول الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
ولقد رأيت معاشراقد ثمروا مالاً وولداً
وقيل : هو مرادف للولد بالفتحتين واحتجوا بقوله :


الصفحة التالية
Icon