﴿كَلا ﴾ قال الزمخشري :﴿كَلا ﴾ ردع لهم وإنكار لتعززهم بالآلهة. وقرأ ابن نهيك ﴿أَعْدَآءً وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ﴾ أي سيجحدون ﴿وَكَانُوا بِعِبَادَتِهِمْ﴾ كقولك : زيد مررت بغلامه وفي محتسب ابن جنيّ ﴿كَلا ﴾ بفتح الكاف والتنوين، وزعم أن معناه كل هذا الرأي والإعتقاد كلاً، ولقائل أن يقول إن صحت هذه الرواية فهي ﴿كَلا ﴾ التي للردع قلب الواقف عليها ألفها نوناً كما في قواريراً انتهى. فقوله وقرأ ابن نهيك الذي ذكر ابن خالويه وصاحب اللوامح وابن عطية وأبو نهيك بالكنية وهو الذي يحكى عنه القراءة في الشواذ وأنه قرأ ﴿كَلا ﴾ بفتح الكاف والتنوين وكذا حكاه عنه أبو الفتح. وقال ابن عطية وهو يعني ﴿كَلا ﴾ نعت للآلهة قال : وحكى عنه أي عن أبي نهيك أبو عمر والداني ﴿كَلا ﴾ بضم الكاف والتنوين وهو منصوب بفعل مضمر يدل عليه ﴿سَيَكْفُرُونَ﴾ تقديره يرفضون أو يتركون أو يجحدون أو نحوه. وأما قول الزمخشري ولقائل أن يقول إلى آخره فليس بجيد لأنه قال إنها التي للردع، والتي للردع حرف ولا وجه لقلب ألفها نوناً وتشبيهه بقواريراً ليس بجيد لأن قواريراً اسم رجع به إلى أصله، فالتنوين ليس بدلاً من ألف بل هو تنوين الصرف. وهذا الجمع مختلف فيه أيتحتم منع صرفه أم يجوز ؟ قولان، ومنقول أيضاً أن لغة للعرب يصرفون ما لا ينصرف عند غيرهم، فهذا التنوين إما على قول من لا يرى بالتحتم أو على تلك اللغة. وذكر الطبري عن أبي نهيك أنه قرأ كل بضم الكاف ورفع اللام ورفعه على الابتداء والجملة بعده الخبر، وتقدم ظاهر وهو الآلهة وتلاه ضمير في قوله ليكونوا فالأظهر أن
٢١٤
الضمير في ﴿سَيَكْفُرُونَ﴾ عائد على أقرب مذكور محدث عنه. فالمعنى أن الآلهة سيجحدون عبادة هؤلاء إياهم كما قال :﴿وَإِذَا رَءَا الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَآءَهُمْ﴾ وفي آخرها ﴿فَألْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَـاذِبُونَ﴾ وتكون ﴿ءَالِهَةً﴾ هنا مخصوصاً بمن يعقل، أو يجعل الله للآلهة غير العاقلة إدراكاً تنكر به عبادة عابديه. ويجوز أن يكون الضمير للمشركين ينكرون لسوء العاقبة أن يكونوا كما قالوا ﴿وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ﴾ لكن قوله ﴿وَيَكُونُونَ﴾ يرجح القول الأول لا تساق الضمائر لواحد، وعلى القول الآخر يختلف الضمائر إذ يكون في ﴿سَيَكْفُرُونَ﴾ للمشركين وفي ﴿يَكُونُونَ﴾ للآلهة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
ومعنى ﴿ضِدًّا﴾ أعواناً قاله ابن عباس. وقال الضحاك : أعداءً. وقال قتادة : قرناء. وقال ابن زيد : بلاءً. وقال ابن عطية : معناه يجيئهم منه خلاف ما كانوا أمّلوه فيؤول بهم ذلك إلى ذلة ضد ما أملوه من العز، فالضد هنا مصدر وصف به الجمع كما يوصف به الواحد. وقال الزمخشري : والضد العون وحد توحيد وهم على من سواهم لإتفاق كلمتهم وأنهم كشيء واحد لفرط تضامهم وتوافقهم، ومعنى كونهم عوناً عليهم أنهم وقود النار وحصب جهنم ولأنهم عذبوا بسبب عبادتهم.
﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّآ أَرْسَلْنَا الشَّيَـاطِينَ عَلَى الْكَـافِرِينَ تَؤُزُّهُمْ أَزًّا * فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِم إِنَّمَا نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا * يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَـانِ وَفْدًا * وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا * لا يَمْلِكُونَ الشَّفَـاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ عِندَ الرَّحْمَـانِ عَهْدًا * وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَدًا * لَّقَدْ جِئْتُمْ شَيْـاًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنشَقُّ الارْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَن دَعَوْا لِلرَّحْمَـانِ وَلَدًا * وَمَا يَنابَغِى لِلرَّحْمَـانِ أَن يَتَّخِذَ وَلَدًا * إِن كُلُّ مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ إِلا ءَاتِى الرَّحْمَـانِ عَبْدًا * لَّقَدْ أَحْصَـاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا * وَكُلُّهُمْ ءَاتِيهِ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ فَرْدًا * إِنَّ الَّذِينَ ءَامَنُوا وَعَمِلُوا الصَّـالِحَـاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمَـانُ وُدًّا * فَإِنَّمَا يَسَّرْنَـاهُ بِلِسَانِكَ لِتُبَشِّرَ بِهِ الْمُتَّقِينَ وَتُنذِرَ بِهِا قَوْمًا لُّدًّا * وَكَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّن قَرْنٍ هَلْ تُحِسُّ مِنْهُم مِّنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزَا ﴾.
﴿أَرْسَلْنَا﴾ معناه سلطناً أو لم نحل بينهم وبينهم مثل قوله ﴿نُقَيِّضْ لَه شَيْطَـانًا﴾ وتعديته بعلى دليل على أنه تسليط و﴿تَؤُزُّهُمْ﴾ تحركهم إلى الكفر. وقال قتادة : تزعجهم. وقال ابن زيد : تشليهم. وقال الزمخشري : تغريهم على المعاصي وتهيجهم لها بالوساوس والتسويلات، والمعنى خلينا بينهم وبينهم ولم نمنعهم ولو شاء لمنعهم، والمراد تعجيب رسول الله صلى الله عليه وسلّم بعد الآيات التي ذكر فيها العتاة من الكفار وأقاويلهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢


الصفحة التالية
Icon