عجلت عليه بكذا إذا استعجلته منه أي لا تعجل عليهم بأن يهلكوا فليس بينك وبين ما تطلب من هلاكهم إلاّ أيام محصورة وأنفاس معدودة كأنها في سرعة تقضيها الساعة التي تعد فيها لوعدت ونحوه قوله تعالى ﴿وَلا تَسْتَعْجِل لَّهُم كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلا سَاعَةً مِّن نَّهَارا﴾ انتهى. وقيل ﴿نَعُدُّ﴾ أعمالهم لنجازيهم. وقيل : آجالهم فإذا جاء أحللنا العقوبة بهم. وقيل : أيامهم التي سبق قضاؤنا أن نمهلهم إليها. وقيل : أنفاسهم، وانتصب ﴿يَوْمَ﴾ باذكر أو احذر مضمرة أو على تقدير يكون ذلك جواباً لسؤال مقدر تقديره متى يكون ذلك أو سيكفرون بعبادتهم أو بيكونون عليهم ضداً أو معنى بعداً، وتضمن العدّ والإحصاء معنى المجازاة، أو ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ﴾ ونسوق نفعل بالفريقين ما لا يحيط به الوصف أو بلا يملكون، وكلها مقول في نصب ﴿يَوْمَ﴾ والأوجه الأخير. وعدى ﴿نَحْشُرُ﴾ بإلى ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ تعظيماً لهم وتشريفاً. وذكر صفة الرحمانية التي خصهم بها كرامة إذ لفظ الحشر فيه جمع من أماكن متفرقة وأقطار شاسعة على سبيل القهر، فجاءت لفظة ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ مؤذنة بأنهم يحشرون إلى من يرحمهم، ولفظ السوق فيه إزعاج وهو إن عدِّي بإلى جهنم تفظيعاً لهم وتبشيعاً لحال مقرهم، ولفظة الوفد مشعرة بالإكرام والتبجيل كما يفد الوفاد على الملوك منتظرين للكرامة عنده.
وعن عليّ : على نوق رحالها ذهب، وعلى نجائب سرجها ياقوت، وعنه أيضاً إنهم
٢١٦
يجيئون ركباناً على النوق المحلاة بحلية الجنة خطمها من ياقوت وزبرجد. وريوي عمرو بن قيس الملائي أنهم يركبون على تماثيل من أعمالهم الصالحة في غاية الحسن، روى أنه يركب كل أحد منهم ما أحب من إبل أو خيل أو سفن تجيء عائمة بهم. والظاهر أن هذه الوفادة بعد إنقضاء الحساب وأنها النهوض إلى الجنة كما قال ﴿فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِر﴾ وشبهوا بالوفود لأنهم سراة الناس وأحسنهم شكلاً وليست وفادة حقيقية لأنها تتضمن الإنصراف من الموفود عليه، وهؤلاء مقيمون أبداً في ثواب ربهم وهو الجنة والورد العطاش قاله ابن عباس وأبو هريرة والحسن، والورد مصدر ورد أي سار إلى الماء. قال الراجز :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
ردي ردي ورد قطاة صماكدرية أعجبها برد الماء
ولما كان من يرد الماء لا يرده إلاّ لعطش، أطلق الورد على العطاش تسمية للشيء بسببه. وقرأ الحسن والجحدري يحشر المتقون ويساق المجرمون مبنياً للمفعول، والضمير في ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾ عائد على الخلق الدال عليهم ذكر المتقين والمجرمين إذ هم قسماه، والاستثناء متصل و﴿مِنْ﴾ بدل من ذلك الضمير أو نصب على الاستثناء ﴿وَلا يَمْلِكُونَ﴾ استئناف إخبار. وقيل : موضه نصب على الحال من الضمير في ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾ ويكون عائداً على المجرمين. والمعنى غير مالكين أن يشفع لهم، ويكون على هذا الاستثناء منقطعاً. وقيل : الضمير في ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾ عائد على المتقين والمجرمين، والاستثناء متصل. وقيل : عائد على المتقين، واتخاذ العهد هو العمل الصالح الذي يحصل به في حيِّز من يشفع. وتظافرت الأحاديث على أن أهل العلم والصلاح يشفعون فيشفعون. وفي الحديث :"إن في أمتي رجلاً يدخل الله بشفاعته أكثر من بني تميم". وقال قتادة : كنا نحدث أن الشهيد يشفع في سبعين. وقال بعض من جعل الضمير للمتقين : المعنى لا يملك المتقون ﴿الشَّفَـاعَةَ﴾ إلاّ لهذا الصنف، فعلى هذا يكون من اتخذ المشفوع فيهم، وعلى التأويل الأول يكون من اتخذ الشافعين فالتقدير على التقدير الثاني ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَـاعَةَ إِلا مَنِ اتَّخَذَ﴾ فيكون في موضع نصب كما قال :
فلم ينج إلاّ جفن سيف ومئزرا.
أي لم ينج شيء إلا جفن سيف. وعلى هذه الأقوال الواو ضمير. وقال الزمخشري : ويجوز أن تكون يعني الواو في ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾ علامة للجمع كالتي في أكلوني البراغيث، والفاعل من ﴿اتَّخَذَ﴾ لأنه في معنى الجمع انتهى. ولا ينبغي حمل القرآن على هذه اللغة القليلة مع وضوح جعل الواو ضميراً. وذكر الأستاذ أبو الحسن بن عصفور أنها لغة ضعيفة. وأيضاً قالوا : والألف والنون التي تكون علامات لا ضمائر لا يحفظ ما يجيء بعدها فاعلاً إلاّ بصريح الجمع وصريح التثنية أو العطف، إما أن تأتي بلفظ مفرد يطلق على جمع أو على مثنى فيحتاج في إثبات ذلك إلى نقل، وأما عود الضمائر مثناة ومجموعة على مفرد في اللفظ يراد به المثنى، والمجموع فمسموع معروف في لسان العرب على أنه يمكن قياس هذه العلامات على تلك الضمائر، ولكن الأحفظ أن لا يقال ذلك إلاّ بسماع. وقال الزمخشري : ويجوز أن ينتصب يعني من على تقدير حذف المضاف أي إلاّ شفاعة من ﴿اتَّخَذَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢


الصفحة التالية
Icon