والعهد هنا. قال ابن عباس : لا إله إلاّ الله محمد رسول الله. وفي الحديث من قال :"لا إله إلاّ الله محمد رسول الله كان له عند الله عهد". وقال السدي : العهد الطاعة. وقال ابن جريج : العمل الصالح. وقال الليث : حفظ كتاب الله. وقيل : عهد الله إذنه لمن شاء في الشفاعة من عهد الأمير إلى فلان بكذا، أي أمره به أي لا يشفع إلاّ المأمور بالشفاعة المأذون له فيها. ويؤيده ﴿وَلا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ عِندَهُا إِلا لِمَنْ أَذِنَ لَهُا﴾ ﴿يَوْمَـاِذٍ لا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ﴾. ﴿لا تُغْنِى شَفَـاعَتُهُمْ شَيْـاًا إِلا مِنا بَعْدِ أَن يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَن يَشَآءُ وَيَرْضَى ﴾.
٢١٧
وقال ابن عطية : ويحتمل أن يكون المجرمون يعم الكفرة والعصاة ثم أخبر أنهم ﴿لا يَمْلِكُونَ الشَّفَـاعَةَ﴾ إلاّ العصاة المؤمنون فإنهم سيشفع فيهم، فيكون الاستثناء متصلاً. وفي الحديث :"لا أزال أشفع حتى أقول يا رب شفعني فيمن قال لا إله إلاّ الله، فيقول : يا محمد إنها ليست لك ولكنها لي" انتهى. وحمل المجرمين على الكفار والعصاة بعيد. وقال ابن عطية أيضاً : ويحتمل أن يراد بمن اتخذ محمد عليه الصلاة والسلام وبالشفاعة الخاصة لمحمد العامة للناس. وقوله تعالى ﴿عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا﴾ والضمير في ﴿لا يَمْلِكُونَ﴾ لأهل الموقف انتهى. وفيه بعض تلخيص.
﴿وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَـانُ وَلَدًا﴾ الضمير في ﴿قَالُوا ﴾ عائد على بعض اليهود حيث قالوا عزير ابن الله، وبعض النصارى حيث قالوا المسيح ابن الله، وبعض مشركي العرب حيث قالوا : الملائكة بنات الله ﴿لَّقَدْ جِئْتُمْ﴾ أي قل لهم يا محمد ﴿لَّقَدْ جِئْتُمْ﴾ أو يكون التفاتاً خرج من الغيبة إلى الخطاب زيادة تسجيل عليهم بالجرأة على الله والتعرض لسخطه وتنبيه على عظيم ما قالوا.
وقرأ الجمهور ﴿إِدًّا﴾ بكسر الهمزة وعليّ بن أبي طالب وأبو عبد الرحمن بفتحها أي شيئاً أداً حذف المضاف وأقيم المصدر مقامه. وقرأ نافع والكسائي يكاد بالياء من تحت وكذا في الشورى وهي قراءة أبي حيوة والأعمش. وقرأ باقي السبعة بالتاء. وقرأ ينفطرن مضارع انفطر وأبو عمرو وحمزة وأبو بكر عن عاصم وابن عامر هنا وهي قراءة أبي بحرية والزهري وطلحة وحميد واليزيدي ويعقوب وأبي عبيد. وقرأ باقي السبعة مضارع تفطر والتي في الشورى قرأها أبو عمرو وأبو بكر عن عاصم بالياء والنون وباقي السبعة بالياء والتاء والتشديد. وقرأ ابن مسعود يتصد عن وينبغي أن يجعل تفسيراً لمخالفتها سواد المصحف المجمع عليه، ولرواية الثقاة عنه كقراءة الجمهور. وقال الأخفش ﴿الْعَظِيمُ * تَكَادُ﴾ تريد وكذلك قوله ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ وأنشد شاهداً على ذلك قول الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
وكادت وكدت وتلك خير إرادةلو عاد من زمن الصبابة ما مضى
ولا حجة في هذا البيت، والمعروف أن الكيدودة مقاربة الشيء وهذه الجمل عند الجمهور من باب الاستعارة لبشاعة هذا القول، أي هذا حقه لو فهمت الجمادات قدره وهذا مهيع للعرب. قال جرير :
لما أتى خبر الزبير تواضعت
سور المدينة والجبال الخشع
وقال آخر
ألم تر صدعاً في السماء مبيناعلى ابن لبني الحارث بن هشام وقال الآخر
فأصبح بطن مكة مقشعرّاً
كأن الأرض ليس بها هشام
وقال آخر
بكى حارث الجولان من فقد ربهوحوران منه خاشع متضائل حارث الجولان موضع.
وقال الزمخشري : فإن قلت : ما معنى انفطار السموات وإنشقاق الأرض وخرور الجبال، ومن أين تؤثر هذه الكلمة في الجمادات ؟ قلت : فيه وجهان أحدهما أن الله يقول : كدت أفعل هذه بالمسوات والأرض والجبال عند وجود هذه الكلمة غضباً مني على من تفوه بها لولا حلمي ووقاري، وإني لا أعجل بالعقوبة كما قال ﴿إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ الآية.
والثاني : أن يكون استعظاماً للكلمة، وتهويلاً من فظاعتها، وتصويراً لأثرها في الدين وهدمها لأركانه. وقواعده، وأن مثال ذلك الأثر في المحسوسات أن يصيب هذه الأجرام العظيمة التي هي قوام العالم ما تنفطر منه وتنشق وتخر انتهى.
وقال ابن عباس إن هذا الكلام فزعت منه السموات والأرض والجبال
٢١٨


الصفحة التالية
Icon