وجميع الخلائق إلاّ الثقلين وكدن أن يزلن منه تعظيماً لله تعالى. وقيل : المعنى كادت القيامة أن تقوم فإن هذه الأشياء تكون حقيقة يوم القيامة. وقيل :﴿تَكَادُ السَّمَـاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ﴾ أي تسقط عليهم ﴿وَتَنشَقُّ الارْضُ﴾ أي تخسف بهم ﴿وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا﴾ أي تنطبق عليهم. وقال أبو مسلم : تكاد تفعل ذلك لو كانت تعقل من غلظ هذا القول، وانتصب ﴿هَدًّا﴾ عند النحاس على المصدر قال : لأن معنى تنهد انتهى. وهذا على أن يكون ﴿الْجِبَالُ هَدًّا﴾ مصدراً لهد الحائط يهد بالكسر هديداً وهداً وهو فعل لازم. وقيل ﴿هَدًّا﴾ مصدر في موضع الحال أي مهدودة، وهذا على أن يكون ﴿هَدًّا﴾ مصدر هد الحائط إذا هدمه وهو فعل متعد، وأجاز الزمخشري أن يكون مفعولاً له أي لأنها تهد، وأجاز الزمخشري في ﴿أَن دَعَوْا ﴾ ثلاثة أوجه. قال أن يكون مجروراً بدلاً من الهاء في منه كقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
على حالة لو أن في القوم حاتماعلى جوده لضن بالماء حاتم
وهذا فيه بعد لكثرة الفصل بين البدل والمبدل منه لجملتين، قال : ومنصوباً بتقدير سقوط اللام وإفضاء الفعل أي ﴿هَدًّا﴾ لأن دعوا علل الخرور بالهد، والهد بدعاء الولد للرحمن، وهذا فيه بعد لأن الظاهر أن ﴿هَدًّا﴾ لا يكون مفعولاً بل مصدر من معنى ﴿وَتَخِرُّ﴾ أو في موضع الحال، قال : ومرفوعاً بأنه فاعل ﴿هَدًّا﴾ أي هدها دعاء الولد للرحمن، وهذا فيه بعد لأن ظاهر ﴿هَدًّا﴾ أن يكون مصدراً توكيدياً، والمصدر التوكيدي لا يعمل ولو فرضناه غير توكيد لم يعمل بقياس إلاّ إن كان أمراً أو مستفهماً عنه، نحو ضرب زيداً، واضربا زيداً على خلاف فيه. وأما إن كان خبراً كما قدره الزمخشري أي هدها دعاء الرحمن فلا ينقاس بل ما جاء من ذلك هو نادر كقوله.
وقوفاً بها صحبي عليّ مطيهم
أي وقف صحبي.
وقال الحوفي وأبو البقاء ﴿أَن دَعَوْا ﴾ في موضع نصب مفعول له، ولم يبينا العامل فيه. وقال أبو البقاء أيضاً : هو في موضع جر على تقدير اللام، قال : وفي موضع رفع أي الموجب لذلك دعاؤهم، ومعنى ﴿دَعَوْا ﴾ سموا وهي تتعدّى إلى اثنين حذف الأول منهما، والتقدير سموا معبودهم ولداً للرحمن أي بولد لأن دعا هذه تتعدى لاثنين، ويجوز دخول الباء على الثاني تقول : دعوت ولدي بزيد، أو دعوت ولدي زيداً. وقال الشاعر :
دعتني أخاها أم عمرو ولم أكنأخاها ولم أرضع لها بلبان وقال آخرألا رب من يدعي نصيحاً وإن يغب تجده بغيب منك غير نصيحوقال الزمخشري : اقتصر على أحدهما الذي هو الثاني طلباً للعموم والإحاطة بكل ما دعا له ولداً، قال أو من دعا بمعنى نسب الذي مطاوعه ما في قوله عليه السلام :"من ادّعى إلى غير مواليه". وقول الشاعر.
إنّا بني نهشل لا ندعي لأب
أي لا ننتسب إليه انتهى. وكون ﴿دَعَوْا ﴾ هنا بمعنى سموا هو قول الأكثرين. وقيل :﴿دَعَوْا ﴾ بمعنى جعلوا. و﴿يَنابَغِى﴾ مطاوع لبغي بمعنى طلب، أي وما يتأتى له إتخاذ الولد لأن التوالد مستحيل والتبني لا يكون إلاّ فيما هو من جنس المتبنى، وليس له تعالى جنس و﴿يَنابَغِى﴾ ليس من الأفعال التي لا تتصرف بل سمع لها الماضي قالوا : أنبغى وقد عدّها ابن مالك في التسهيل من الأفعال التي لا تتصرف وهو غلط و﴿مِنْ﴾ موصولة بمعنى الذي أي ما كل الذي في السموات وكل تدخل على الذي لأنها تأتي للجنس كقول تعالى ﴿وَالَّذِى جَآءَ بِالصِّدْقِ﴾ ونحو.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ١٩٢
وكل الذي حملتنّي أتحمل
وقال الزمخشري :﴿مِنْ﴾ موصوفة لأنها وقعت بعد كل نكرة
٢١٩
وقوعها بعد رب في قوله :
رب من أنضجت غيظاً صدره
انتهى. والأولى جعلها موصولة لأن كونها موصوفة بالنسبة إلى الموصولة قليل. وقرأ عبد الله وابن الزبير وأبو حيوة وطلحة وأبو بحرية وابن أبي عبلة ويعقوب إلاّ آتٍ بالتنوين ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ بالنصب والجمهور بالإضافة و﴿أَتَى ﴾ خبر ﴿كُلِّ﴾ وانتصب ﴿عَبْدًا﴾ على الحال. وتكرر لفظ ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ تنبيهاً على أنه لا يستحق هذا الاسم غيره، إذ أصول النعم وفروعها منه ومن في السموات والأرض يشمل من اتخذوه معبوداً من الملائكة وعيسى وعزيراً بحكم ادعائهم صحة التوالد أو بحكم زعمهم ذلك فأشركوهم في العبادة إذ خدمة الأبناء خدمة الآباء، فأخبر تعالى أنه ما من معبود لهم في السموات أو في الأرض إلاّ يأتي الرحمن عبداً منقاداً لا يدعيّ لنفسه شيئاً مما نسبوه إليه.


الصفحة التالية
Icon