والجلالة مبتدأ و﴿لا إله إِلا هُوَ﴾ الخبر و﴿لَهُ الاسْمَآءُ الْحُسْنَى ﴾ خبر ثان، ويجوز أن يكون خبر مبتدأ محذوف كأنه قيل من ذا الذي يعلم السر وأخفى ؟ فقيل : هو ﴿اللَّهِ﴾ و﴿الْحُسْنَى ﴾ تأنيث الأحسن وصفة المؤنثة المفردة تجري على جمع التكسير، وحسن ذلك كونها وقعت فاصلة والأحسنية كونها تضمنت المعاني التي هي في غاية الحسن من التقديس والتعظيم والربوبية، والأفعال التي لا يمكن صدورها إلاّ منه، وذكروا أن هذه ﴿الاسْمَآءُ﴾ هي التي قال فيها رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"إن لله تسعاً وتسعين اسماً من أحصاها دخل الجنة". وذكرها الترمذي مسندة.
﴿وَهَلْ أَتَـاكَ حَدِيثُ مُوسَى * إِذْ رَءَا نَارًا فَقَالَ لاهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّى ءَانَسْتُ نَارًا لَّعَلِّى ءَاتِيكُم مِّنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى * فَلَمَّآ أَتَـاهَا نُودِىَ يَـامُوسَى * إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَا إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى * وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى * إِنَّنِى أَنَا اللَّهُ لا إله إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِى وَأَقِمِ الصَّلَواةَ لِذِكْرِى * إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسا بِمَا تَسْعَى * فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَن لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَا هُ فَتَرْدَى * وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَـامُوسَى * قَالَ هِىَ عَصَاىَ أَتَوَكَّؤُا عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِى وَلِىَ فِيهَا مَـاَارِبُ أُخْرَى * قَالَ أَلْقِهَا يَـامُوسَى * فَأَلْقَـاهَا فَإِذَا هِىَ حَيَّةٌ تَسْعَى * قَالَ خُذْهَا وَلا تَخَفْا سَنُعِيدُهَا سِيَرتَهَا الاولَى * وَاضْمُمْ يَدَكَ إِلَى جَنَاحِكَ تَخْرُجْ بَيْضَآءَ مِنْ غَيْرِ سُواءٍ ءَايَةً أُخْرَى * لِنُرِيَكَ مِنْ ءَايَـاتِنَا الْكُبْرَى * اذْهَبْ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّه طَغَى ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
ولما ذكر تعالى تعظيم كتابه وتضمن تعظيم رسوله أتبعه بقصة موسى ليتأسى به في تحمل أعباء النبوة وتكاليف الرسالة والصبر على مقاساة الشدائد، كما قال تعالى ﴿وَكُلا نَّقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنابَآءِ الرُّسُلِ مَا نُثَبِّتُ بِهِا فُؤَادَكَ﴾ فقال تعالى :﴿وَهَلْ أَتَـاكَ حَدِيثُ مُوسَى ﴾ وهذا استفهام تقرير يحث على الإصغاء لما يلقى إليه وعلى التأسي. وقيل :﴿هَلْ﴾ بمعنى قد أي قد ﴿ءَاتَـاكَ﴾، والظاهر خلاف هذا لأن السورة مكية. والظاهر أنه لم يكن أطلعه على قصة موسى قبل هذا. وقيل : إنه استفهام معناه النفي أي ما أخبرناك قبل هذه السورة بقصة موسى، ونحن الآن قاصون قصته لتتسلى وتتأسى وكان من حديثه أنه عليه السلام لما قضى أكمل الأجلين استأذن شعيباً في الرجوع من مدين إلى مصر لزيارة والدته وأخته فأذن له، وقد طالت مدة جنايته بمصر ورجا خفاء أمره، فخرج بأهله وماله وكان في فصل الشتاء وأخذ على غير الطريق مخافة ملوك الشام، وامرأته حامل فلا يدري أليلاً تضع أم نهاراً، فسار في البرية لا يعرف طرقها، فألجأه
٢٢٩
المسير إلى جانب الطور الغربي الأيمن في ليلة مظلمة مثلجة شديدة البرد، وأخذ امرأته الطلق فقدح زنده فلم يور. قيل : كان رجلاً غيوراً يصحب الرفقة ليلاً ويفارقهم نهار لئلا ترى امرأته، فأضل الطريق.
قال وهب : ولد له ابن في الطريق ولما صلد زنده ﴿إِذْ رَءَا﴾. والظاهر أن ﴿إِذِ﴾ ظرف للحديث لأنه حدث. وأجاز الزمخشري أن تكون ظرفاً لمضمر أي ﴿نَارًا﴾ كان كيت وكيت، وأن تكون مفعولاً لأذكر ﴿امْكُثُوا ﴾ أي أقيموا في مكانكم، وخاطب امرأته وولديه والخادم. وقرأ الأعمش وطلحة وحمزة ونافع في رواية ﴿لاهْلِهِ امْكُثُوا ﴾ بضم الهاء وكذا في القصص والجمهور بكسرها ﴿إِنِّى ءَانَسْتُ﴾ أي أحسست، والنار على بعد لا تحس إلاّ بالبصر فلذلك فسره بعضهم برأيت، والإيناس أعم من الرؤية لأنك تقول ﴿ءَانَسْتُ﴾ من فلان خيراً. وقال الزمخشري : الإيناس الإبصار البين الذي لا شبهة فيه، ومنه إنسان العين لأنه يتبين به الشيء والإنس لظهورهم كما قيل الجن لاستتارهم. وقيل : هو إبصار ما يؤنس به لما وجد منه الإيناس فكان مقطوعاً متيقناً حققه لهم بكلمة إن ليوطن أنفسهم. ولما كان الإتيان بالقبس ووجود الهدى مترقبين متوقعين بنى الأمر فيهما على الرجاء والطمع، وقال : لعل ولم يقطع فيقول إني آتيكم لئلا يعد ما ليس يستيقن الوفاء به انتهى. والظاهر أنه رأى نوراً حقيقة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١


الصفحة التالية
Icon