وقال الماوردي : كانت عند موسى ﴿نَارًا﴾ وكانت عند الله نوراً. قيل : وخيِّل له أنه نار. قيل : ولا يجوز هذا لأن الإخبار بغير المطابق لا يجوز على الانبياء عليهم الصلاة والسلام. ولفظة على ههنا على بابها من الاستعلاء، ومعناه إن أهل النار يستعلون المكان القريب منها، أو لأن المصطلين بها والمستمتعين إذا تكنفوها قياماً وقعوداً كانوا مشرفين عليها ومنه قول الأعشى.
ويات على النار الندى والمحلق
وقال ابن الأنباري : على بمعنى عند وبمعنى مع وبمعنى الباء، وذكر الزجاج أنه ضل عن الماء فترجى أن يلقى من يهديه الطريق أو يدله على الماء، وانتصب ﴿هُدًى﴾ على أنه مفعول به على تقدير محذوف أي ذا ﴿هُدًى﴾ أو على تقدير حذف لأنه إذا وجد الهادي فقد وجد الهدى هدى الطريق. وقيل :﴿هُدًى﴾ في الدين قاله مجاهد وقتادة وهو بعيد، وهو وإن كان طلب من يهديه الطريق فقد وجد الهدى على الإطلاق.
والضمير في ﴿أَتَـاهَآ﴾ عائد على النار أتاها فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة عناب قاله ابن عباس. وقيل : سمرة قاله عبد الله. وقيل : عوسج قاله وهب. وقيل : عليقة عن قتادة ومقاتل والكلبي وكان كلما قرب منها تباعدت فإذا أدبر اتبعته، فأيقن أن هذا أمر من أمور الله الخارقة للعادة، ووقف متحيراً وسمع من السماء تسبيح الملائكة وألقيت عليه السكينة و﴿نُودِىَ﴾ وهو تكليم الله إياه. وقرأ الجمهور :﴿إِنِّى ﴾ بكسر الهمزة على إضمار القول عند البصريين، وعلى معاملة النداء معاملة القول لأنه ضرب منه على مذهب الكوفيين. و﴿أَنَّآ﴾ مبتدأ أو فصل أو توكيد لضمير النصب، وفي هذه الأعاريب حصل التركيب لتحقيق المعرفة وإماطة الشبهة. وقرأ ابن كثير وأبو عمر : وأني بفتح الهمزة والظاهر أن التقدير بأني ﴿أَنَا رَبُّكَ﴾. وقال ابن عطية : على معنى لأجل ﴿إِنِّى أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ﴾ و﴿نُودِىَ﴾ قد توصل بحرف الجر وأنشد أبو عليّ :
ناديت باسم ربيعة بن مكدمإن المنوّه باسمه الموثوق
انتهى. وعلمه بأن الذي ناداه هو الله تعالى حصل له بالضرورة خلقاً منه تعالى فيه أو بالاستدلال بالمعجزة، وعند المعتزلة لا يكون ذلك إلاّ بالمعجز فمنهم من عينه ومنهم من قال : لا يلزم أن يعرف ما ذلك المعجز قالوا : ولا يجوز أن يكون ذلك بالعلم الضروري لأنه ينافي في التكليف، والظاهر أن أمره تعالى إياه بخلع النعلين لعظم الحال التي حصل فيها كما يخلع عند الملوك غاية في التواضع. وقيل : كانتا من
٢٣٠
جلد حمار ميت فأمر بطرحهما لنجاستهما. وفي الترمذي عن النبيّ صلى الله عليه وسلّم قال :"كان على موسى يوم كلمه ربه كساء صوف وجبة صوف وكمة صوف وسراويل صوف، وكانت نعلاه من جلد حمار ميت". قال : هذا حديث غريب، والكمة القلنسوة الصغيرة وكونهما من جلد حمار ميت غير مدبوغ قول عكرمة وقتادة والسدّي ومقاتل والكلبي والضحاك. وقيل : كانتا من جلد بقرة ذكي لكن أمر بخلعهما البيان بركة الوادي المقدس، وتمس قدماه تربته وروى أنه خلق نعليه وألقاهما من وراء الوادي. و﴿الْمُقَدَّسِ﴾ المطهر و﴿طُوًى﴾ اسم علم عليه فيكون بدلاً أو عطف بيان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
وقرأ الحسن والأعمش وأبو حيوة وابن أبي إسحاق وأبو السمال وابن محيص بكسر الطاء منوناً. وقرأ الكوفيون وابن عامر بضمها منوناً. وقرأ الحرميان وأبو عمرو بضمها غير منون. وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسرها غير منون. وقرأ عيس بن عمر والضحاك طاوى أذهب فمن نون فعلى تأويل المكان، ومن لم ينون وضم الطاء فيحتمل أن يكون معدولاً عن فعل نحو زفر وقثم، أو أعجمياً أو على معنى البقعة، ومن كسر ولم ينون فمنع الصرف باعتبار البقعة. وقال الحسن :﴿طُوًى﴾ بكسر الطاء والتنوين مصدر ثنيت فيه البركة والتقديس مرتين فهو بوزن الثناء وبمعناه وذلك لأن الثنا بالكسر والقصر الشيء الذي تكرره، فكذلك الطوى على هذه القراءة. وقال قطرب ﴿طُوًى﴾ من الليل أي ساعة أي قدس لك في ساعة من الليل لأنه نودي بالليل، فلحق الوادي تقديس محدد أي ليلاً. قرأ طلحة والأعمش وابن أبي ليلى وحمزة وخلف في اختياره وأما بفتح الهمزة وشد النون اخترناك بنون العظمة.
وقرأ السلمي وابن هرمز والأعمش في رواية ﴿وَأَنَا﴾ والألف عطفاً على ﴿إِنِّى أَنَا رَبُّكَ﴾ لأنهم كسروا ذلك أيضاً، والجمهور ﴿وَأَنَا اخْتَرْتُكَ﴾ بضمير المتكلم المفرد غير المعظم نفسه. وقرأ أُبَيّ وأني بفتح الهمزة وياء المتكلم ﴿اخْتَرْتُكَ﴾ بتاء عطفاً على ﴿إِنِّى أَنَا رَبُّكَ﴾ ومفعول ﴿اخْتَرْتُكَ﴾ الثاني المتعدي إليه بمن محذوف تقديره من قومك. والظاهر أن ﴿لِمَا يُوحَى ﴾ من صلة استمع وما بمعنى الذي.
وقال الزمخشري وغيره :﴿لِمَا يُوحَى ﴾ للذي يوحى أو للوحي، فعلق اللام باستمع أو باخترتك انتهى. ولا يجوز التعليق باخترتك لأنه من باب الأعمال فيجب أو يختار إعادة الضمير مع الثاني، فكان يكون فاستمع له لما يوحى فدل على أنه إعمال الثاني.