جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
وقال أبو الفضل الجوهري : لما قيل لموسى صلوات الله على نبينا وعليه استمع لما يوحى وقف على حجر واستند إلى حجر ووضع يمينه على شماله وألقى ذقنه على صدره، ووقف ليستمع وكان كل لباسه صوفاً. وقال وهب : أدب الاستماع سكون الجوارح وغض البصر والإصغاء بالسمع وحضور العقل والعزم على العمل، وذلك هو الاستماع لما يحب الله وحذف الفاعل في ﴿يُوحَى ﴾ للعلم به ويحسنه كونه فاصلة، فلو كان مبنياً للفاعل لم يكن فاصلة والموحى قوله ﴿إِنِّى أَنَا اللَّهُ﴾ إلى آخره معناه وحّدني كقوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ إلى آخر الجمل جاء ذلك تبييناً وتفسيراً للإبهام في قوله ﴿لِمَا يُوحَى ﴾. وقال المفسرون ﴿فَاعْبُدْنِى﴾ هنا وحدني كقوله تعالى ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالانسَ إِلا لِيَعْبُدُونِ﴾ معناه ليوحدون، والأولى أن يكون ﴿فَاعْبُدْنِى﴾ لفظ يتناول ما كلفه به من العبادة، ثم عطف عليه ما هو قد يدخل تحت ذلك المطلق فبدأ بالضلالة إذ هي أفضل الأعمال وأنفعها في الآخرة، والذكر مصدر يحتمل أن يضاف إلى الفاعل أي ليذكرني فإن ذكري أن اعبدو يصلي لي أو ليذكرني فيها لاشتمال الصلاة على الأذكار أو لأني ذكرتها في الكتب وأمرت بها، ويحتمل أن تضاف إلى المفعول أي لأن أذكرك بالمدح والثناء
٢٣١
وأجعل لك لسان صدق، أو لأن تذكرني خاصة لا تشو به بذكر غيري أو خلاص ذكري وطلب وجهي لا ترائي بها ولا تقصد بها غرضاً آخر، أو لتكون لي ذاكراً غير ناسٍ فعل المخلصين في جعلهم ذكر ربهم على ابل منهم وتوكيل هممهم وأفكارهم به كما قال ﴿لا تُلْهِيهِمْ تِجَـارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ﴾ أو لأوقات ذكري وهي مواقيت الصلاة لقوله ﴿فَإِذَا قَضَيْتُمُ الصَّلَواةَ فَاذْكُرُوا اللَّهَ قِيَـامًا وَقُعُودًا﴾ واللام على هذا القول مثلها في قوله ﴿أَقِمِ الصَّلَواةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ﴾ وقد حمل على ذكر الصلاة بعد نسيانها من قوله عليه الصلاة والسلام :"من نام عن صلاة أو نسيها فليصلها إذا ذكرها".
قال الزمخشري : وكان حق العبادة أن يقال لذكرها كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"إذا ذكرها". ومن يتمحل له يقول : إذا ذكر الصلاة فقد ذكر الله، أو بتقدير حذف المضاف أي لذكر صلاتي أو لأن الذكر والنسيان من الله عز وجل في الحقيقة انتهى. وفي الحديث بعد قوله :"فليصلها إذا ذكرها" قوله "إذ لا كفارة لها إلاّ ذلك" ثم قرأ ﴿يُوحَى * إِنَّنِى أَنَا﴾. وقرأ السلمي والنخعي وأبو رجاء : للذكري بلام التعريف وألف التأنيث، فالذكرى بمعنى التذكرة أي لتذكيري إياك إذا ذكرتك بعد نسيانك فأقمها. وقرأت فرقة لِذِكْرَى بألف التأنيث بغير لام التعريف. وقرأت فرقة : للذكر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
ولما ذكر تعالى الأمر بالعبادة وإقامة الصلاة ذكر الحامل على ذلك وهو البعث والمعاد للجزاء فقال ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ﴾ وهي التي يظهر عندها ما عمله الإنسان وجزاء ذلك إما ثواباً وإما عقاباً. وقرأ أبو الدرداء وابن جبير والحسن ومجاهد وحميد أَخْفِيها بفتح الهمزة ورويت عن ابن كثير وعاصم بمعنى أظهرها أي إنها من صحة وقوعها وتيقن كونها تكاد تظهر، ولكن تأخرت إلى الأجل المعلوم وتقول العرب : خفيت الشيء أي أظهرته. وقال الشاعر :
خفاهن من إيقانهن كأنماخفاهن ودق من عشي مجلب
وقال آخر
فإن تدفنوا الداء لا نخفهوإن توقدوا الحرب لا نقعد