ولام ﴿لِتُجْزَى ﴾ على هذه القراءة متعلقة بأخفيها أي أظهرها ﴿لِتُجْزَى ﴾ كل نفس. وقرأ الجمهور ﴿أُخْفِيهَا﴾ بضم الهمزة وهو مضارع أخفي بمعنى ستر، والهمزة هنا للإزالة أي أزلت الخفاء وهو الظهور، وإذا أزلت الظهور صار للستر كقولك : أعجمت الكتاب أزلت عنه العجمة. وقال أبو علي : هذا من باب السلب ومعناه، أزيل عنها خفاءها وهو سترها، واللام على قراءة الجمهور. قال صاحب اللوامح متعلقة بآتية كأنه قال ﴿إِنَّ السَّاعَةَ ءَاتِيَةٌ﴾ لنجزي انتهى، ولا يتم ذلك إلاّ إذا قدرنا ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ جملة اعتراضية، فإن جعلتها في موضع الصفة لآتية فلا يجوز ذلك على رأي البصريين لأن أسم الفاعل لا يعمل إذا وصف قبل أخذ معموله. وقيل :﴿أُخْفِيهَا﴾ بضم الهمزة بمعنى أظهرها فتتحد القراءتان، وأخفى من الأضداد بمعنى الإظهار وبمعنى الستر. قال أبو عبيدة : خفيت وأخفيت بمعنى واحد وقد حكاه أبو الخطاب وهو رئيس من رؤساء اللغة لا شك في صدقه و﴿أَكَادُ﴾ من أفعال المقاربة لكنها مجاز هنا، ولما كانت الآية عبارة عن شدة إخفاء أمر القيامة ووقتها وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس بالغ في إبهام وقتها فقال ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ حتى لا تظهر ألبتة، ولكن لا بد من ظهورها. وقالت فرقة ﴿أَكَادُ﴾ بمعنى أريد، فالمعنى أريد إخفاءها وقاله الأخفش وابن الأنباري وأبو مسلم. قال أبو مسلم : ومن أمثالهم لا أفعل ذلك : ولا أكاد أي لا أريد أن أفعله. وقالت فرقة : خبر كاد محذوف تقديره ﴿أَكَادُ﴾ أتى بها لقربها وصحة وقوعها كما حذف في قول صابيء البرجمي :
٢٣٢
هممت ولم أفعل وكذت وليتنيتركت على عثمان تبكي حلائله
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
أي وكدت أفعل. وتم الكلام ثم استأنف الإخبار بأنه يخفيها واختاره النحاس. وقالت فرقة : معناه ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ من نفسي إشارة إلى شدة غموضها عن المخلوقين وهو مروي عن ابن عباس.
ولما رأى بعضهم قلق هذا القول قال معنى من نفسي : من تلقائي ومن عندي. وقالت فرقة ﴿أَكَادُ﴾ زائدة لا دخول لها في المعنى بل الإخبار أن الساعة آتية وأن الله يخفي وقت إتيانها، وروي هذا المعنى عن ابن جبير، واستدلوا على زيادة كاد بقوله تعالى ﴿لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا ﴾ وبقول الشاعر وهو زيد الخيل :
سريع إلى الهيجاء شاك سلاحهفما إن يكاد قرنه يتنفس
وبقول الآخر
وأن لا ألوم النفس مما أصابنيوأن لا أكاد بالذي نلت أنجح ولا حجة في شيء من هذا. وقال الزمخشري :﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ فلا أقول هي آتية لفرط إرادتي إخفاءها، ولو لا ما في الإخبار بإتيانها مع تعمية وقتها من اللطف لما أخبرت به. وقيل : معناه ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ من نفسي ولا دليل في الكلام على هذا المحذوف، ومحذوف لا دليل عليه مطرح. والذي غزهم منه أن في مصحف أبي ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ من نفسي وفي بعض المصاحف ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ من نفسي فكيف أظهركم عليها انتهى. ورويت هذه الزيادة أىضاً عن أُبَيّ ذكر ذلك ابن خالويه. وفي مصحف عبد الله ﴿أَكَادُ أُخْفِيهَا﴾ من نفسي فكيف يعلمها مخلوق. وفي بعض القراءات وكيف أظهرها لكم وهذا محمول على ما جرت به عادة العرب من أن أحدهم إذا بالغ في كتمان الشيء قال : كذت أخفيه من نفسي، والله تعالى لا يخفى عليه شيء قال معناه قطرب وغيره. وقال الشاعر :
أيام تصحبني هند وأخبرهاما كدت أكتمه عني من الخبر وكيف يكتم من نفسه ومن نحو هذا من المبالغة، ورجل تصدق بصدقة فأخفاها حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه، والضمير في ﴿أُخْفِيهَا﴾ عائد على ﴿السَّاعَةَ﴾ و﴿السَّاعَةَ﴾ يوم القيامة بلا خلاف، والسعي هنا العمل. والظاهر أن الضمير في ﴿عَنْهَا﴾ و﴿بِهَا﴾ عائد على الساعة. وقيل : على الصلاة. وقيل ﴿عَنْهَا﴾ عن الصلاة و﴿بِهَا﴾ أي بالساعة، وأبعد جداً من ذهب إلى أن الضمير في ﴿عَنْهَا﴾ يعود على ما تقدم من كلمة ﴿لا إله إِلا أَنَا فَاعْبُدْنِى﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٢١
والظاهر أن الخطاب في ﴿فَلا﴾ لموسى عليه السلام، ولا يلزم من النهي عن الشيء إمكان وقوعه ممن سبقت له العصمة، فينبغي أن يكون لفظاً وللسامع غيره ممن يمكن وقوع ذلك منه، وأبعد من ذهب إلى أنه خطاب للنبيّ صلى الله عليه وسلّم لفظاً ولأمته معنى.
وقال الزمخشري : فإن قلت : العبارة أنهى من لا يؤمن عن صدّ موسى، والمقصود نهي موسى عن التكذيب بالبعث أو أمره بالتصديق ؟ قلت : فيه وجهان.
أحدهما : أن صد الكافر عن التصديق بها سبب للتكذيب، فذكر السبب ليدل على المسبب.


الصفحة التالية
Icon