وقيل : حين عرض عليه موسى وهارون عليهما السلام ما عرضا شاور آسية فقالت : ما ينبغي لأحد أن يرد هذا فشاور هامان وكان لا يبت أمراً دون رأيه، فقال له : كنت أعتقد أنك ذو عقل تكون مالكاً فتصير مملوكاً ورباً فتصير مربوباً فامتنع من قبول ما عرض عليه موسى، والترجي بالنسبة لهما إذ هو مستحيل وقوعه من الله تعالى أي اذهبا على رجائكما وطمعكما وباشرا الأمر مباشرة من يرجو ويطمع أن يثمر عمله ولا يخيب سعيه، وفائدة إرسالهما مع علمه تعالى أنه لا يؤمن إقامة الحجة عليه وإزالة
٢٤٥
المعذرة كما قال تعالى :﴿وَلَوْ أَنَّآ أَهْلَكْنَـاهُم بِعَذَابٍ مِّن قَبْلِهِ﴾ الآية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
وقيل : القول اللين ما حكاه الله هنا وهو ﴿فَأْتِيَاهُ فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ فَأَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إسرائيل وَلا تُعَذِّبْهُم قَدْ جِئْنَـاكَ بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكَا وَالسَّلَـامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى * إِنَّا﴾ وقال أبو معاذ :﴿قَوْلا لَّيِّنًا﴾ وقال الفراء لعل هنا بمعنى كي أي كي يتذكر أو يخشى كما تقول : اعمل لعلك تأخذ أجرك، أي كي تأخذ أجرك. وقيل : لعل هنا استفهام أي هل يتذكر أو يخشى، والصحيح أنها على بابها من الترجِّي وذلك بالنسبة إلى البشر وفي قوله ﴿لَّعَلَّه يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى ﴾ دلالة على أنه لم يكن شاكاً في الله. وقيل :﴿يَتَذَكَّرُ﴾ حاله حين احتبس النيل فسار إلى شاطئه وأبعد وخرَّ ساجداً لله راغباً أن لا يخجله ثم ركب فأخذ النيل يتبع حافر فرسه فرجاً أن يتذكر حلم الله وكرمه وأن يحذر من عذاب الله. وقال الزمخشري : أي ﴿يَتَذَكَّرُ﴾ ويتأمل فيبذل النصفة من نفسه والإذغان للحق ﴿أَوْ يَخْشَى ﴾ أن يكون الأمر كما يصفان فيجره إنكاره إلى الهلكة.
فرط سبق وتقدم ومنه الفارط الذي يتقدم الواردة وفرس فرط تسبق الخيل انتهى. وقال الشاعر :
واستعجلونا وكانوا من صحابتناكما تقدم فارط الوراد
وفي الحديث :"أنا فرطكم على الحوض". أي متقدمكم وسابقكم، والمعنى إننا نخاف أن يعجل علينا بالعقوبة ويبادرنا بها. وقرأ يحيى وأبو نوفل وابن محيصن في روايته ﴿أَن يَفْرُطَ﴾ مبنياً للمفعول أي يسبق في العقوبة ويسرع بها، ويجوز أن يكون من الإفراط ومجاوزة الحد في العقوبة خافا أن يحمله حامل على المعاجلة بالعذاب من شيطان، أو من جبروته واستكباره وادعائه الربوبية، أو من حبه الرياسة، أو من قومه القبط المتمرّدين الذين قال الله فيهم ﴿قَالَ الْمَلا مِن قَوْمِ فِرْعَوْنَ﴾ ﴿وَقَالَ الْمَلا مِن قَوْمِهِ﴾.
وقرأت فرقة والزعفراني عن ابن محيصن ﴿يَفْرُطَ﴾ بضم الياء وكسر الراء من الإفراط في الأذية ﴿أَوْ أَن يَطْغَى ﴾ في التخطي إلى أن يقول فيك ما لا ينبغي تجرئة عليك وقسوة قلبه، وفي المجيء به هكذا على سبيل الإطلاق والرمز باب من حسن الأدب والتجافي عن التفوه بالعظيمة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
والمعية هنا بالنصرة والعون أسمع أقوالكما وأرى أفعالكما. وقال ابن عباس ﴿أَسْمِعْ﴾ جوابه لكما ﴿وَأَرَى ﴾ ما يفعل بكما وهما كناية عن العلم ﴿فَأْتِيَاهُ﴾ كرر الأمر بالإتيان ﴿فَقُولا إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ وخاطباه بقولهما ﴿رَبُّكِ﴾ تحقيراً له وإعلاماً أنه مربوب مملوك إذ كان هو يدَّعي الربوبية. وأُمرا بدعوته إلى أن يبعث معهما بني إسرائيل ويخرجهم من ذل خدمة القبط وكانوا يعذبونهم بتكليف الأعمال الشاقة من الحفر والبناء ونقل الحجارة والسخرة في كل شيء مع قتل الولدان واستخدام النساء. وقد ذكر في غير هذه الآية دعاؤه إلى الإيمان فجملة ما دعى إليه فرعون الإيمان وإرسال بني إسرائيل.
ثم ذكرا ما يدل على صدقهما في إرسالهما إليه فقالا ﴿قَدْ جِئْنَـاكَ بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ وتكرر أيضاً قولهما ﴿مِن رَّبِّكَ﴾ على سبيل التوكيد بأنه مربوب مقهور، والآية التي أحالا عليها هي العصا واليد، ولما كانا مشتركين في الرسالة صح نسبة المجيء بالآية إليهما وإن كانت صادرة من أحدهما. وقال الزمخشري :﴿قَدْ جِئْنَـاكَ بِـاَايَةٍ مِّن رَّبِّكَ﴾ جارية من الجملة الأولى وهي ﴿إِنَّا رَسُولا رَبِّكَ﴾ مجرى البيان والتفسير، لأن دعوى الرسالة لا تثبت إلا ببينتها التي هي المجيء بالآية، وإنما وحد بآية ولم يثن ومعه آيتان لأن المراد في هذا الموضع تثبيت الدعوى ببرهانها فكأنه قال : قد جئناك بمعجزة وبرهان وحجة على ما ادعيناه من الرسالة وكذلك ﴿قَدْ جِئْتُكُم بِبَيِّنَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ﴾ ﴿مَآ أَنتَ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُنَا فَأْتِ﴾ ﴿أَوَلَوْ جِئْتُكَ بِشَىْءٍ مُّبِينٍ﴾ انتهى. وقيل : الآية اليد. وقيل : العصا، والمعنى بآية تشهد لنا بأنا رسولا ربك. والظاهر أن قوله ﴿وَالسَّلَـامُ عَلَى مَنِ اتَّبَعَ الْهُدَى ﴾ فصل للكلام، فالسلام بمعنى التحية رغباً به عنه وجرياً على العادة في التسليم عند الفراغ
٢٤٦


الصفحة التالية
Icon