قيل : ويجوز أن يكون أراد وكذب أنها من آيات الله وقال : من سحر، ولهذا ﴿قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَـامُوسَى ﴾ ويبعد هذا القول قوله ﴿لَقَدْ عَلِمْتَ مَآ أَنزَلَ هَـؤُلاءِ إِلا رَبُّ السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ بَصَآاِرَ﴾ وقوله ﴿وَجَحَدُوا بِهَا وَاسْتَيْقَنَتْهَآ أَنفُسُهُمْ ظُلْمًا وَعُلُوًّا ﴾ فيظهر أنه كذب لظلمه لا أنه التبس عليه أنها آيات سحر. وفي قوله ﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا﴾ وهن ظهر منه كثير واضطراب لما جاء به موسى إذ علم أنه على الحق وأنه غالبه على ملكه لا محالة، وذكر علة المجيء وهي إخراجهم وألقاها في مسامع قومه ليصيروا مبغضين له جداً إذ الإخراج من الموطن مما يشق وجعله الله مساوياً للقتل في قوله ﴿أَنِ اقْتُلُوا أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِن دِيَـارِكُم﴾ وقوله ﴿بِسِحْرِكَ﴾ تعلل وتحير لأنه لا يخفى عليه أن ساحراً لا يقدر أن يخرج ملك مثله من أرضه ويغلبه على ملكه بالسحر، وأورد ذلك على سبيل الشبهة الطاعنة في النبوة، وأن المعجز إنما يتميز عن السحر بكون المعجز مما تتعذر معارضته فقال ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِّثْلِهِ﴾ ويدل على أن أمر موسى عليه السلام كان قد قَوِيَ وكثر منعته من بني إسرائيل ووقع أمره في نفوس الناس، إذ هي مقالة من يحتاج إلى الحجة لا من يصدع بأمر نفسه، وأرضهم هي أرض مصر وخاطبه بقوله ﴿بِسِحْرِكَ﴾ لأن الكلام كان معه والعصا واليد إنما ظهرنا من قبله ﴿فَلَنَأْتِيَنَّكَ﴾ جواب لقسم محذوف، أوهم الناس أن ما جاء به موسى إنما هو من باب السحر وأن عنده من يقاومه في ذلك، فطلب ضرب موعد للمناظرة بالسحر. والظاهر أن ﴿مَّوْعِدًا﴾ هنا هو زمان أي فعين لنا وقت اجتماع ولذلك أجاب بقوله ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ ومعنى ﴿لا نُخْلِفُهُ﴾ أي لا نخلف ذلك الوقت في الاجتماع فيه وقدره بعضهم مكاناً معلوماً وينبوعه قوله ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
وقال القشيري : الأظهر أنه مصدر ولذلك قال ﴿لا نُخْلِفُهُ﴾ أي ذلك الموعد والإخلاف أن يعد شيئاً ولا ينجزه. وقال الزمخشري : إن جعلته زماناً نظراً في قوله ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ مطابق له لزمك شيئان أن نجعل الزمان مخلفاً وأن يعضل عليك ناصب ﴿مَكَانًا﴾ وإن جعلته مكاناً لقوله ﴿مَكَانًا﴾ لزمك أيضاً أن يقع الإخلاف على المكان وأن لا يطابق قوله ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ وقراءة الحسن غير مطابقة له ﴿مَكَانًا﴾ جميعاً لأنه قرأ ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ بالنصب فبقي أن يجعل مصدراً بمعنى الوعد، ويقدر مضاف محذوف أي مكان موعد. ويجعل الضمير في ﴿نُخْلِفُهُ﴾ و﴿مَكَانًا﴾ بدل من المكان المحذوف. فإن قلت : كيف طابقته قوله ﴿مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ ولا بد من أن تجعله زماناً والسؤال واقع عن المكان لا عن الزمان ؟ قلت : هو مطابق معنى وإن لم يطابق لفظاً لأنه لا بد لهم من أن يجتمعوا يوم الزينة في مكان بعينه مشتهراً باجتماعهم فيه في ذلك اليوم، فبذكر الزمان علم المكان.
وأما قراءة الحسن فالموعد فيها مصدر لا غير، والمعنى إنجاز وعدكم يوم الزينة وطابق هذا أيضاً
٢٥٢
من طريق المعنى، ويجوز أن يقدر مضاف محذوف ويكون المعنى اجعل ﴿بَيْنِنَا وَبَيْنِكَ﴾ وعداً ﴿لا نُخْلِفُهُ﴾ فإن قلت : فبم ينتصب ﴿مَكَانًا﴾ ؟ قلت : بالمصدر أو بفعل يدل عليه المصدر، فإن قلت : كيف يطابقه الجواب ؟ قلت : أما على قراءة الحسن فظاهر، وأما على قراءة العامة فعلى تقدير وعدكم وعد يوم الزينة.
ويجوز على قراءة الحسن أن يكون ﴿مَوْعِدُكُمْ﴾ مبتدأ بمعنى الوقت و﴿ضُحًى﴾ خبره على نية التعريف فيه لأنه قد وصف قبل العمل بقوله ﴿لا نُخْلِفُهُ﴾ وهو موصول، والمصدر إذا وصف قبل العمل لم يجز أن يعمل عندهم. وقوله و﴿ضُحًى﴾ خبره على نية التعريف فيه، لأنه ضحى ذلك اليوم بعينه، هو وإن كان ضحى ذلك اليوم بعينه ليس على نية التعريف بل هو نكرة، وإن كان من يوم بعينه لأنه ليس معدولاً عن الألف واللام كسحر ولا هو معرف بالإضافة. ولو قلت : جئت يوم الجمعة بكراً لم ندع أن بكراً معرفة وإن كنا نعلم أنه من يوم بعينه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣


الصفحة التالية
Icon