وقرأ ابن مسعود والجحدري وأبو عمران الجوني وأبو نهيك وعمرو بن فايد وأن تحشر بتاء الخطاب أي يا فرعون وروي عنهم بالياء على الغيبة، والناس نصب في كلتا القراءتين. قالصاحب اللوامح ﴿وَأَن يُحْشَرَ﴾ الحاشر ﴿النَّاسُ ضُحًى﴾ فحذف الفاعل للعلم به انتهى. وحذف الفاعل في مثل هذا لا يجوز عند البصريين. وقال غيره ﴿وَأَن يُحْشَرَ﴾ القوم قال ويجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة، إما على العادة التي تخاطب بها الملوك أو خاطب القوم لقوله ﴿مَوْعِدُكُمْ﴾ وجعل ﴿يُحْشَرُ﴾ لفرعون ويجوز أن يكون ﴿وَأَن يُحْشَرَ﴾ في موضع رفع عطفاً على ﴿يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ وأن يكون في موضع جر عطفاً على ﴿الزِّينَةِ﴾ وانتصب ﴿ضُحًى﴾ على الظرف وهو ارتفاع النهار، ويؤنث ويذكر والضحاء بفتح الضاد ممدود مذكر وهو عند ارتباع النهار الأعلى، وإنما واعدهم موسى ذلك اليوم ليكون علو كلمة الله وظهور دينه وكبت الكافر وزهوق الباطل على رؤوس الأشهاد، وفي المجمع الغاص لتقوى رغبة من رغب في اتباع الحق، ويكل حد المبطلين وأشياعهم ويكثر المحدث بذلك الأمر العلم في كل بدو وحضر، ويشيع في جميع أهل الوبر والمدر. والظاهر أن قوله ﴿قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ﴾ من كلام موسى عليه السلام لأنه جواب لقول فرعون ﴿فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا﴾ ولأن تعيين اليوم إنما يليق بالمحق الذي يعرف اليد له لا المبطل الذي يعرف أنه ليس معه إلا التلبيس. ولقوله ﴿مَوْعِدُكُمْ﴾ وهو خطاب للجميع، وأبعد من ذهب إلى أنه من كلام فرعون.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ﴾ أي معرضاً عن قبول الحق أو ﴿تَوَلَّى ﴾ ذلك الأمر بنفسه أو فرجع إلى أهله لاستعداد مكايده، أو أدبر على عادة المتواعدين أن يولي كل واحد منهما صاحبه ظهره إذا افترقا. أقوال ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ أي ذوي كيده وهم السحرة. وكانوا عصابة لم يخلق الله أسحر منها ﴿ثُمَّ أَتَى ﴾ للموعد الذي كانوا تواعدوه. وأتى موسى أيضاً بمن معه من بني إسرائيل قال لهم موسى ﴿وَيْلَكُمْ لا تَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ كَذِبًا﴾ وتقدم تفسير ويل في سورة البقرة، خاطبتهم خطاب محذر وندبهم إلى قول الحق إذ رأوه وأن لا يباهتوا بكذب. وعن وهب لما قال للسحرة ﴿وَيْلَكُمْ﴾ قالوا ما هذا بقول ساحر ﴿فَيُسْحِتَكُم﴾ يهلككم ويستأصلكم، وفيه دلالة على عظم الافتراء وأنه يترتب عليه هلاك الاستئصال، ثم ذكر أنه لا يظفر بالبغية ولا ينجح طلبه ﴿مَنِ افْتَرَى ﴾ على الله الكذب.
ولما سمع السحرة منه هذه المقالة هالهم ذلك ووقعت في نفوسهم مهابته ﴿فَتَنَـازَعُوا أَمْرَهُم﴾ أي تجاذبوه والتنازع يقتضي الاختلاف. وقرأ حمزة والكسائي وحفص والأعمش وطلحة وابن جرير ﴿فَيُسْحِتَكُم﴾ بضم الياء وكسر الحاء من أسحت رباعياً. وقرأ باقي السبعة ورويس وابن عباعي بفتحهما من سحت ثلاثياً. وإسرارهم النجوى خيفة من فرعون أن يتبين فيهم ضعفاً لأنهم
٢٥٤
لم يكونوا مصممين على غلبة موسى بل كان ظناً من بعضهم. وعن ابن عباس أن نجواهم إن غلبنا موسى اتبعناه، وعن قتادة إن كان ساحراً فسنغلبه، وإن كان من السماء فله أمر.
وقال الزمخشري : والظاهر أنهم تشاوروا في السر وتجاذبوا أهداب القول، ثم ﴿قَالُوا إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ فكانت نجواهم في تلفيق هذا الكلام وتزويره خوفاً من غلبتهما وتثبيطاً للناس من اتباعهما انتهى. وحكى ابن عطية قريباً من هذا القولعن فرقة قالوا : إنما كان تناجيهم بالآية التي بعد هذا ﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ والأظهر أن تلك قيلت علانية، ولو كان تناجيهم ذلك لم يكن ثم تنازع. وقرأ أبو جعفر والحسن وشيبة والأعمش وطلحة وحميد وأيوب وخلف في اختياره وأبو عبيد وأبو حاتم وابن عيسى الأصبهاني وابن جرير وابن جبير الأنطاكي والأخوان والصاحبان من السبعة إنّ بتشديد النون ﴿هَـاذَانِ﴾ بألف ونون خفيفة ﴿لَسَـاحِرَانِ﴾ واختلف في تخريج هذه القراءة. فقال القدماء من النحاة إنه على حذف ضمير الشأن والتقدير إنه هذان لساحران، وخبر ﴿ءَانٍ﴾ الجملة من قوله ﴿هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ واللام في ﴿لَسَـاحِرَانِ﴾ داخلة على خبر المبتدأ، وضعف هذا القول بأن حذف هذا الضمير لا يجيء إلا في الشعر وبأن دخول اللام في الخبر شاذ.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣


الصفحة التالية
Icon