وقال الزجاج : اللام لم تدخل على الخبر بل التقدير لهما ساحران فدخلت على المبتدأ المحذوف، واستحسن هذا القول شيخه أبو العباس المبرد والقاضي إسماعيل بن إسحاق بن حماد بن زيد. وقيل : ها ضمير القصة وليس محذوفاً، وكان يناسب على هذا أن تكون متصلة في الخط فكانت كتابتها ﴿إِنْ هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ وضعف ذلك من جهة مخالفته خط المصحف. وقيل ﴿ءَانٍ﴾ بمعنى نعم، وثبت ذلك في اللغة فتحمل الآية عليه و﴿هَـاذَانِ لَسَـاحِرَانِ﴾ مبتدأ وخبر واللام في ﴿لَسَـاحِرَانِ﴾ على ذينك التقديرين في هذا التخريج، والتخريج الذي قبله وإلى هذا ذهب المبرد وإسماعيل بن إسحاق وأبو الحسن الأخفش الصغير، والذي نختاره في تخريج هذه القراءة أنها جاءت على لغة بعض العرب من إجراء المثنى بالألف دائماً وهي لغة لكنانة حكى ذلك أبو الخطاب، ولبني الحارث بن كعب وخثعم وزبيد وأهل تلك الناحية حُكِي ذلك عن الكسائي، ولبني العنبر وبنى الهجيم ومراد وعذرة. وقال أبو زيد : سمعت من العرب من يقلب كل ياء ينفتح ما قبلها ألفاً.
وقرأ أبو بحرية وأبو حيوة والزهري وابن محيصن وحميد وابن سعدان وحفص وابن كثير ﴿ءَانٍ﴾ بتخفيف النون هذا بالألف وشدد نون ﴿هَـاذَانِ﴾ ابن كثير، وتخريج هذه القراءة واضح وهو على أن أن هي المخففة من الثقيلة والخبر واللام للفرق بين إن النافية وإن المخففة من الثقيلة على رأي البصريين والكوفيين، يزعمون أن إن نافية واللام بمعنى إلاّ. وقرأت فرقة إن ذان لساحران وتخريجها كتخريج القراءة التي قبلها، وقرأت عائشة والحسن والنخعي والجحدري والأعمش وابن جبير وابن عبيد وأبو عمر وإن هذين بتشديد نون إنّ وبالياء في هذين بدل الألف، وإعراب هذا واضح إذ جاء على المهيع المعروف في التثنية لقوله ﴿أَنْ أُنكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَىَّ هَـاتَيْنِ﴾ بالألف رفعاً والياء نصباً وجراً. وقال الزجاج : لا أجيز قراءة أبي عمر ولأنها خلاف المصحف. وقال أبو عبيد : رأيتها في الإمام مصحف عثمان هذن ليس فيها ألف، وهكذا رأيت رفع الاثنين في ذلك المصحف بإسقاط الألف، وإذا كتبوا النصب والخفض كتبوه بالياء ولا يسقطونها، وقالت جماعة منهم عائشة وأبو عمر : وهذا مما لحن الكاتب فيه وأقيم بالصواب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣
وقرأ عبد الله إن ذان إلا ساحران قاله ابن خالويه وعزاها الزمخشري لابَيّ. وقال ابن مسعود : إن هذان ساحران بفتح أن وبغير لام بدل من ﴿النَّجْوَى ﴾ انتهى. وقرأت فرقة ما هذا إلاّ ساحران وقولهم ﴿يُرِيدَانِ أَن يُخْرِجَاكُم مِّنْ أَرْضِكُم بِسِحْرِهِمَا﴾ تبعوا فيه
٢٥٥
مقالة فرعون ﴿أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ﴾ ونسبوا السحر أيضاً لهارون لما كان مشتركاً معه في الرسالة وسالكاً طريقته، وعلقوا الحكم على الإرادة وهم لا اطلاع لهم عليها تنقيصاً لهما وحطاً من قدرهما، وقد كان ظهر لهم من أمر اليد والعصا ما يدل على صدقهما، وعلموا أنه ليس في قدرة الساحر أن يأتي بمثل ذلك، والظاهر أن الضمير في ﴿قَالُوا ﴾ عائد على السحرة خاطب بعضهم بعضاً. وقيل : خاطبوا فرعون مخاطبة التعظيم، والطريقة السيرة والمملكة والحال التي هم عليها. و﴿الْمُثْلَى ﴾ تأنيث الأمثل أي الفضلى الحسنى. وقيل : عبر عن السيرة بالطريقة وأنه يراد بها أهل العقل والسن والحجى، وحكوا أن العرب تقول فلان طريقة قومه أي سيدهم، وعن علي نحو ذلك قال : وتصرفات وجوه الناس هليهما. وقيل : هو على حذف مضاف أي ﴿وَيَذْهَبَا﴾ بأهل طريقتكم وهم بنو إسرائيل لقول موسى ﴿أَرْسِلْ مَعَنَا بَنِى إِسْرَا ءِيلَ﴾ بالغوا في التنفيرعنهما بنسبتهما إلى السحر، وبالطبع ينفر عن السحر وعن رؤية الساحر ثم بإرادة الإخراج من أرضهم ثم بتغيير حالتهم من المناصب والرتب المرغوب فيها.
وحكى تعالى عنهم في متابعة فرعون في قوله ﴿فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ قوله ﴿فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ﴾ وقيل : هو من كلام فرعون، والظاهر أنه من كلام السحرة بعضهم لبعض. وقرأ الجمهور ﴿فَأَجْمِعُوا ﴾ بقطع الهمزة وكسر الميم من أجمع رباعياً أي اعزموا واجعلوه مجمعاً عليه حتى لا تختلفوا ولا يتخلف واحد منكم المسألة المجمع عليها. وقرأ الزهري وابن محيصن وأبو عمرو ويعقوب في رواية وأبو حاتم بوصل الألف وفتح الميم موافقاً لقوله ﴿فَتَوَلَّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ﴾ وتقدم الكلام في جمع وأجمع في سورة يونس في قصة نوح عليه السلام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٤٣


الصفحة التالية
Icon