وقرأ الجمهور : لا تخاف وهي جملة في موضع الحال من الضمير ﴿فَاضْرِب﴾ وقيل في موضع الصفة للطريق، وحذف العائد أي لا تخاف فيه. وقرأ الأعمش : وحمزة وابن أبي ليلى ﴿لا تَخَفْ﴾ بالجزم على جواب الأمر أو على نهي مستأنف قاله الزجاج. وقرأ أبو حيوة وطلحة والأعمش، دَرْكاً بسكون الراء والجمهور بفتحها، والدرك والدرك اسمان من الإدراك أي لا يدركك فرعون وجنوده ولا يلحقونك ﴿وَلا تَخْشَى ﴾ أنت ولا قومك غرقاً وعطفه على قراءة الجمهور لا تخاف ظاهر، وأما على قراءة الجزم فخرج على أن الألف جيء بها لأجل أواخر الآي فاصلة نحو قوله ﴿فَأَضَلُّونَا السَّبِيلا﴾ وعلى أنه إخبار مستأنف أي وأنت ﴿لا﴾ وعلى أنه مجزوم بحذف الحركة المقدرة على لغة من قال : ألم يأتيك وهي لغة قليلة. وقال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٦
إذا العجوز غضبت فطلقولا ترضاها ولا تملق
وقرأ الجمهور :﴿تَخْشَى * فَأَتْبَعَهُمْ﴾ بسكون التاء، وأتبع قد يكون بمعنى تبع فيتعدى إلى واحد كقوله ﴿فَأَتْبَعَهُ الشَّيْطَـانُ﴾ وقد يتعدى إلى اثنين كقوله : وأتبعناهم ذرياتهم فتكون التاء زائدة أي جنوده، أو تكون للحال والمفعول الثاني محذوف أي رؤساؤه وحشمه. وقرأ أبو عمرو في رواية والحسن فاتَّبعَعهم بتشديد التاء وكذا عن الحسن في جميع ما في القرآن إلا ﴿فَأَتْبَعَه شِهَابٌ﴾ والباء في بجنوده في موضع الحال كما تقول : اخرج زيد بسلاحه أو الباء للتعدي لمفعول ثان بحرف جر، إذ لا يتعدى اتبع بنفسه إلا إلى حرف واحد.
وقرأ الجمهور ﴿بِجُنُودِهِا فَغَشِيَهُم مِّنَ الْيَمِّ مَا غَشِيَهُمْ﴾ على وزن فعل مجرد من الزيادة. وقرأت فرقة منهم الأعمش فغشاهم من اليم ما غشاهم بتضعيف العين فالفاعل في القراءة الأولى ﴿مَا﴾ وفي الثانية الفاعل الله أي فغشاهم الله. قال الزمخشري : أو فرعون لأنه الذي ورط جنوده وتسبب لهلاكهم. وقال ﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾ من باب الاختصار ومن جوامع الكلم التي تستقل مع قلتها بالمعاني الكثيرة، أي ﴿غَشِيَهُمْ﴾ ما لا يعلم كَنَهَهُ إلاّ الله. وقال ابن عطية :﴿مَا غَشِيَهُمْ﴾ إبهام أهول من النص على قدر ما، وهو كقوله ﴿إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى ﴾ والظاهر أن الضمير في ﴿غَشِيَهُمْ﴾ في الموضعين عائد على فرعون وقومه، وقيل الأول على فرعون وقومه، والثاني على موسى وقومه : وفي الكلام حذف على هذا القول تقديره فنجا موسى وقومه، وغرّق فرعون وقومه. وقال الزجاج : وقرىء وجنوده عطفاً على فرعون.
٢٤٦
﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ﴾ أي من أول مرة إلى هذه النهاية ويعني الضلال في الدين. وقيل : أضلهم في البحر لأنهم غرقوا فيه، واحتج به القاضي على مذهبه فقال : لو كان الضلال من خلق الله لما جاز أن يقال :﴿وَأَضَلَّ فِرْعَوْنُ قَوْمَهُ﴾ بل وجب أن يقال : الله أضلهم لأن الله تعالى ذمه بذلك فكيف يكون خالقاً للكفر لأن من ذم غيره بفعل شيء لا بد أن يكون المذموم فاعلاً لذلك الفعل وإلاّ استحق الذام الذم انتهى. وهو على طريقة الاعتزال ﴿وَمَا هَدَى ﴾ أي ما هداهم إلى الدين، أو ما نجا من الغرق، أو ما هتدى في نفسه لأن ﴿هُدًى﴾ قد يأتي بمعنى اهتدى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٥٦
﴿يَـابَنِى إسرائيل قَدْ أَنجَيْنَـاكُم مِّنْ عَدُوِّكُمْ﴾ ذكرهم تعالى بأنواع نعمه وبدأ بإزالة ما كانوا فيه من الضرر من الإذلال والخراج والذبح وهي آكد أن تكون مقدمة على المنفعة الدنيوية لأن إزالة الضرر أعظم في النعمة من إيصال تلك المنفعة، ثم أعقب ذلك بذكر المنفعة الدينية وهو قوله ﴿وَوَاعَدْنَـاكُمْ جَانِبَ الطُّورِ الايْمَنَ﴾ إذ أنزل على نبيهم موسى كتاباً فيه بيان دينهم وشرح شريعتهم، ثم يذكر المنفعة الدنيوية وهو قوله ﴿وَنَزَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴾ والظاهر أن الخطاب لمن نجامع موسى بعد إغراق فرعون. وقيل : لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلّم اعتراضاً في أثناء قصة موسى توبيخاً لهم إذ لم يصبر سلفهم على أداء شكر نعم الله فهو على حذف مضاف، أي أنجينا آباءكم من تعذيب آل فرعون. وخاطب الجميع بواعدناكم وإن كان الموعودون هم السبعين الذين اختارهم موسى عليه السلام لسماع كلام الله، لأن سماع أولئك السبعين تعود منفعته على جميعهم إذ تطمئن قلوبهم وتسكن وتقدم الكلام في ﴿جَانِبِ الطُّورِ الايْمَنِ﴾ في سورة مريم، وعلى ﴿وَأَنزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ﴾ في سورة البقرة. وقرأ حمزة والكسائي وطلحة : قد أنجيتكم وواعدتكم ما رزقتكم بتاء الضمير، وباقي السبعة بنون العظمة وحميد نجَّيناكم بتشديد الجيم من غير ألف قبلها وبنون العظمة وتقدم خلاف أبي عمرو وفي واعد في البقرة.


الصفحة التالية
Icon