وأن الله أعلم موسى بذلك فكتمه عنهم وجاء بهم حتى سمعوا لغط بني إسرائيل حول العجل، فحينئذ علمهم موسى انتهى. ولما فرغ من إبطال ما عمله السامري عاد إلى بيان الدين الحق فقال ﴿إِنَّمَآ إِلَـاهُكُمُ اللَّهُ﴾ وقرأ الجمهور ﴿وَاسِعُ﴾ فانتصب علماً على التمييز المنقول من الفاعل، وتقدم نظيره في الأنعام. وقرأ مجاهد وقتادة وسَّع بفتح السين مشددة. قال الزمخشري : وجهه أن ﴿وَاسِعُ﴾ متعد إلى مفعول واحد وهو كل شيء. وأما ﴿عِلْمًا﴾ فانتصابه على التمييز وهو في المعنى فاعل، فلما ثقل نقل إلى التعدية إلى مفعولين فنصبهما معاً على المفعولية، لأن المميز فاعل في المعنى كما تقول : خاف زيد عمراً خوّفت زيداً عمراً، فترد بالنقل ما كان فاعلاً مفعولاً. وقال ابن عطية ﴿وَاسِعُ﴾ بمعنى خلق الأشياء وكثرها بالاختراع فوسعها موجودات انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
﴿كَذَلِكَ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنابَآءِ مَا قَدْ سَبَقَا وَقَدْ ءَاتَيْنَـاكَ مِن لَّدُنَّا ذِكْرًا * مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّه يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ وِزْرًا * خَـالِدِينَ فِيهِا وَسَآءَ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ حِمْلا * يَوْمَ يُنفَخُ فِى الصُّورِا وَنَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يومئذ زُرْقًا * يَتَخَـافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا عَشْرًا * نَّحْنُ أَعْلَمُ بِمَا يَقُولُونَ إِذْ يَقُولُ أَمْثَلُهُمْ طَرِيقَةً إِن لَّبِثْتُمْ إِلا يَوْمًا * وَيَسْـاَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّى نَسْفًا * فَيَذَرُهَا قَاعًا صَفْصَفًا * لا تَرَى فِيهَا عِوَجًا وَلا أَمْتًا * يومئذ يَتَّبِعُونَ الدَّاعِىَ لا عِوَجَ لَهُا وَخَشَعَتِ الاصْوَاتُ لِلرَّحْمَـانِ فَلا تَسْمَعُ إِلا هَمْسًا * يومئذ لا تَنفَعُ الشَّفَـاعَةُ إِلا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَـانُ وَرَضِىَ لَه قَوْلا * يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِهِا عِلْمًا * وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَىِّ الْقَيُّومِا وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا * وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّـالِحَـاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا يَخَافُ ظُلْمًا وَلا هَضْمًا * وَكَذَالِكَ أَنزَلْنَـاهُ قُرْءَانًا عَرَبِيًّا وَصَرَّفْنَا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْرًا * فَتَعَـالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّا وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْءَانِ مِن قَبْلِ أَن يُقْضَى إِلَيْكَ وَحْيُهُا وَقُل رَّبِّ زِدْنِى عِلْمًا﴾.
ذلك إشارة إلى نبأ موسى وبني إسرائيل وفرعون أي كقصنا هذا النبأ الغريب نقص عليك من أنباء الأمم السابقة، وهذا فيه ذكر نعمة عظيمة وهي الإعلام بأخبار الأمم السالفة ليتسلى بذلك ويعلم أن ما صدر من الأمم لرسلهم وما قاست الرسل منهم، والظاهر أن الذكر هنا القرآن امتن تعالى عليه بإيتائه الذكر المشتمل على القصص والأخبار الدال ذلك على معجزات أوتيها. وقال مقاتل :﴿ذِكْرًا﴾ بياناً. وقال أبو سهل : شرفاً وذكراً في الناس.
﴿مَّنْ أَعْرَضَ عَنْهُ﴾ أي عن القرآن بكونه لم يؤمن به ولم يتبع ما فيه. وقرأ الجمهور ﴿يَحْمِلُ﴾ مضارع حمل مخففاً مبنياً للفاعل. وقرأت فرقة منهم داود بن رفيع : يُحَمِّل مشدد الميم مبنياً للمفعول لأنه يكلف ذلك لا أنه يحمله طوعاً و﴿وِزْرًا﴾ مفعول ثان و﴿وِزْرًا﴾ ثقلاً باهظاً يؤده حمله وهو ثقل العذاب. وقال مجاهد : إثماً. وقال الثوري شركاً والظاهر أنه عبَّر عن العقوبة بالوزر لأنه سببها ولذلك قال ﴿خَـالِدِينَ فِيهِ﴾ أي في العذاب والعقوبة وجمع خالدين، والضمير في ﴿لَهُمُ﴾ حملاً على معنى من بعد الحمل على لفظها في أعرض وفي فإنه يحمل، والمخصوص بالذم محذوف أي وزرهم و﴿لَهُمُ﴾ للبيان كهي في ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ لا متعلقة بساء ﴿وَسَآءَ﴾ هنا هي التي جرت مجرى بئس لا ساء التي بمعنى أحزن وأهم لفساد المعنى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
ويوم ننفخ بدل من يوم القيامة. وقرأ الجمهور ﴿يُنفَخُ﴾ مبنياً للمفعول ﴿وَنَحْشُرُ﴾ بالنن مبنياً للفاعل بنون العظمة. وقرأ أبو عمرو وابن محيصن وحميد : ننفخ بنون العظمة لنحشر أسند النفخ إلى الآمر به، والنافخ هو إسرافيل ولكرامته أسند ما يتولاه إلى ذاته المقدسة و﴿الصُّورِ﴾ تقدم الكلام فيه في الأنعام. وقرىء يَنْفُخُ ويَحْخشرُ بالياء فيهما مبنياً للفاعل. وقرأ الحسن وابن عياض في جماعة ﴿فِى الصُّورِ﴾ على وزن درر والحسن : يُحْشَرُ، بالياء مبنياً للمفعول، ويَحْشُرُ مبنياً للفاعل، وبالياء أي ويحشر الله. والظاهر أن المراد بالزرق زرقة العيون، والزرقة أبغض ألوان العيون إلى العرب لأن الروم أعداؤهم وهم زرق العيون، ولذلك قالوا في صفة العدو : أسود الكبد، أصهب السبال، أزرق العين. وقال الشاعر :