وما كنت أخشى أن تكون وفاتهبكفي سبنتي أزرق العين مطرق وقد ذكر في آية أخرى أنهم يحشرون سود الوجوه، فالمعنى تشويه الصورة من سواد الوجه وزرقة العين وأيضاً فالعرب تتشاءم بالزرقة. قال الشاعر :
لقد زرقت عيناك يا ابن مكعبرألا كل عليسى من اللؤم أزرق
٢٧٨
وقيل : المعنى عمياً لأن العين إذا ذهب نورها أزرق ناظرها، وبهذا التأويل يقع الجمع بين قوله ﴿زُرْقًا﴾ في هذه الآية و﴿عُمْيًا﴾ في الآية الأخرى. وقيل : زرق ألوان أبدانهم، وذلك غاية في التشويه إذ يجيئن كلون الرماد وفي كلام العرب يسمى هذا اللون أزرق، ولا تزرق الجلود إلا من مكابدة الشدائد وجفوف رطوبتها. وقيل :﴿زُرْقًا﴾ عطاشاً والعطش الشديد يرد سواد العين إلى البياض، ومنه قولهم سنان أزرق وقوله :
فلما وردن الماء زرقاً جمامه
أي ابيض، وذكرت الآيتان لابن عباس فقال ليوم القيامة حالات فحالة يكونون فيها زرقاً وحالة يكونون عمياً.
﴿يَتَخَـافَتُونَ﴾ يتسارّون لهول المطلع وشدة ذهاب أذهانهم قد عزب عنهم قدر المدة التي لبثوا فيها ﴿إِن لَّبِثْتُمْ﴾ أي في دار الدنيا أو في البرزح أو بين النفختين في الصور ثلاثة أقوال : ووصف ما لبثوا فيه بالقصر لأنها لما يعاينون من الشدائد كانت لهم في الدنيا أيام سرور، وأيام السرور قصار أو لذهابها عنهم وتقضيها، والذاهب وإن طالت مدته قصير بالانتهاء، أو لاستطالتهم الآخرة وأنها أبد سرمد يستقصر إليها عمر الدنيا، ويقال لبث أهلها فيها بالقياس إلى لبثهم في الآخرة و﴿إِذِ﴾ معمولة لأعلم. و﴿أَمْثَـالَهُمْ﴾ أعدلهم. و﴿طَرِيقَةً﴾ منصوبة على التمييز. ﴿إِلا يَوْمًا﴾ إشارة لقصر مدة لبثهم. و﴿إِلا عَشْرًا﴾ يحتمل عشر ليال أو عشرة أيام، لأن المذكر إذا حذف وأبقى عدده قد لا يأتي بالتاء. حكى الكسائي عن أبي الجراح : صمنا من الشهر خمساً، ومنه ما جاء في الحديث ثم أتبعه بست من شوال، يريد ستة أيام وحسن الحذف هنا كون ذلك فاصلة رأس آية ذكر أولاً منتهى أقل العدد وهو العشر، وذكر أعدلهم طريقة أقل العدد، وهو اليوم الواحد ودل ظاهر قوله ﴿إِلا يَوْمًا﴾ على أن المراد بقولهم ﴿عَشْرًا﴾ عشرة أيام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
وضمير الغائب في ﴿وَيَسْـاَلُونَكَ﴾ عائد على قريش منكري البعث أو على المؤمنين سألوا عن ذلك، أو على رجل من ثقيف وجماعة من قومه أقوال ثلاثة. والكاف خطاب للرّسول صلى الله عليه وسلّم، والظاهر وجود السؤال ويبعد قول من قال إنه لم يكن سؤال بل المعنى أن يسألوك ﴿عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ﴾ فضمن معنى الشرط، فلذلك أجيب بالفاء وروي أن الله يرسل على الجبال ريحاً فيدككها حتى تكون كالعهن المنفوش، ثم يتوالى عليها حتى يعيدها كالهباء المنبث فذلك هو النسف، والظاهر عود الضمير في ﴿فَيَذَرُهَا﴾ على الجبال أي بعد النسف تبقى ﴿قَاعًا﴾ أي مستوياً من الأرض معتدلاً. وقيل فيذر مقارها ومراكزها. وقيل : يعود على الأرض وإن لم يجر لها ذكر لدلالة الجبال عليها.
وقال ابن عباس ﴿عِوَجَا ﴾ ميلاً ﴿وَلا مِنْ﴾ أثراً مثل الشراك. وعنه أيضاً ﴿عِوَجَا ﴾ وادياً ﴿وَلا أَمْتًا﴾ رابية. وعنه أيضاً الأمت الارتفاع. وقال قتادة ﴿عِوَجَا ﴾ صدعاً ﴿وَلا أَمْتًا﴾ أكمة. وقيل : الأمت الشقوق في الأرض. وقيل : غلظ مكان في الفضاء والجبل ويرق في مكان حكاه الصولي. وقيل : كان الأمت في الآية العوج في السماء تجاه الهواء، والعوج في الأرض مختص بالأرض.
وقال الزمخشري : فإن قلت : قد فرقوا بين العوج والعوج فقالوا : العِوَج بالكسر في المعاني، والعَوَج بالفتح في الأعيان والأرض، فكيف صح فيها المكسور العين ؟ قلت : اختيار هذا اللفظ له موقع حسن بديع في وصف الأرض بالاستواء والملاسة ونفي الاعوجاج عنها على أبلغ ما يكون، وذلك أنك لو عمدت إلى قطعة أرض فسوّيتها وبالغت في التسوية على عينك وعيون البصراء من الفلاحة، واتفقتم على أن لم يبق فيها اعوجاج قط ثم استطلعت رأي المهندس فيها وأمرته أن يعرض استواءها على المقاييس الهندسية لعثر فيها على عوج في غير موضع لا يدرك بذلك بحاسة البصر، ولكن بالقياس الهندسي فنفى الله عز وجل ذلك العوج الذي دق
٢٧٩
ولطف عن الإرداك اللهم إلا بالقياس الذي يعرفه صاحب التقدير والهندسة، وذلك الاعوجاج لما لم يدرك إلاّ بالقياس دون الإحساس لحق بالمعاني فقيل فيه عوج بالكسرة. الأمت النتوّ اليسير، يقال : مدّ حبله حتى ما فيه أمت انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠