وقرأ الحسن ضنكي بألف التأنيث ولا تنوين وبالإمالة بناؤه صفة على فعلى من الضنك. وقرأ الجمهور ﴿ضَنكًا﴾ بالتنوين وفتحة الكاف فتحة إعراب. وقرأ الجمهور ﴿وَنَحْشُرُهُ﴾ بالنون، وفرقة منهم أبان بن تغلب بسكون الراء فيجوز أن يكون تخفيفاً، ويجوز أن يكون جرماً بالعطف على موضع ﴿فَإِنَّ لَه مَعِيشَةً ضَنكًا﴾ لأنه جواب الشرط، وكأنه قيل ﴿وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِى﴾ تكن له معيشة ضنك ﴿وَنَحْشُرُهُ﴾ ومثله ﴿مَن يُضْلِلِ اللَّهُ فَلا هَادِيَ لَهُا وَيَذَرُهُمْ﴾ في قراءة من سكن ويذرهم. وقرأت فرقة ويحشره بالياء. وقرىء ويحشره بسكون الهاء على لفظ الوقف قاله الزمخشري. ونقل ابن خالويه هذه القراءة عن أبان بن تغلب والأحسن تخريجه على لغة بني كلاب وعقيل فإنهم يسكنون مثل هذه الهاء. وقرىء ﴿لِرَبِّهِا لَكَنُودٌ﴾ والظاهر أن قوله ﴿أَعْمَى ﴾ المراد به عمى البصر كما قال ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَـامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا﴾ وقيل : أعمى البصيرة. قال ابن عطية : ولو كان هذا لم يحس الكافر بذلك لأنه مات أعمى البصيرة ويحشر كذلك. وقال مجاهد والضحاك ومقاتل وأبو صالح وروي عن ابن عباس :﴿أَعْمَى ﴾ عن حجته لا حجة له يهتدي بها. وعن ابن عباس يحشر بصيراً ثم إذا استوى إلى المحشر ﴿أَعْمَى ﴾. وقيل :﴿أَعْمَى ﴾ عن الحيلة في دفع العذاب عن نفسه كالأعمى الذي لا حيلة له فيما لا يراه. وقيل ﴿أَعْمَى ﴾ عن كل شيء إلاّ عن جهنم. وقال الجبائي : المراد من حشره ﴿أَعْمَى ﴾ لا يهتدي إلى شيء. وقال إبراهيم بن عرفة : كل ما ذكره الله عز وجل في كتابه فذمه فإنما يريد عَمَى القلب قال تعالى فإنها لا تعمى الأبصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠
وقال مجاهد : معنى ﴿لِمَ حَشَرْتَنِى أَعْمَى ﴾ أي لا حجة لي وقد كنت عالماً بحجتي بصيراً بها أحاج عن نفسي في الدنيا انتهى. سأل العبد ربه عن السبب الذي استحق به أن يحشر أعمى لأنه جهله، وظن أنه لا ذنب له فقال له جل ذكره ﴿كَذَلِكَ أَتَتْكَ ءَايَـاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَالِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ أي مثل ذلك أنت، ثم فسر بأن آياتنا أتتك واضحة مستنيرة فلم تنظر إليها بعين المعتبر، ولم تتبصر وتركتها وعميت عنها فكذلك اليوم نتركك على عماك ولا نزيل غطاءه عن عينيك قاله الزمخشري. والنسيان هنا بمعنى الترك لا بمعنى الذهول، ومعنى ﴿تُنسَى ﴾ تترك في العذاب ﴿وَكَذَالِكَ نَجْزِى﴾ أي مثل ذلك الجزاء ﴿نَجْزِى مَنْ أَسْرَفَ﴾ أي من جاوز الحد في المعصية ثم أخبر تعالى أن عذاب الآخرة أشد أي من عذاب الدنيا لأنه أعظم منه ﴿وَأَبْقَى ﴾ أي منه لأنه دائم مستمر وعذاب الدنيا منقطع. وقال الزمخشري : والحشر على العمى الذي لا يزوال أبداً أشد من ضيق العيش المنقضي، أو أراد ولتركنا إياه في العمى ﴿أَشَدُّ وَأَبْقَى ﴾ من تركه لآياتنا.
٢٨٧
﴿أَفَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنَا قَبْلَهُم مِّنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِى مَسَـاكِنِهِم إِنَّ فِى ذَالِكَ لايَـاتٍ لاوْلِى النُّهَى * وَلَوْلا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِن رَّبِّكَ لَكَانَ لِزَامًا وَأَجَلٌ مُّسَمًّى * فَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ غُرُوبِهَا وَمِنْ ءَانَآى ِ الَّيْلِ فَسَبِّحْ وَأَطْرَافَ النَّهَارِ لَعَلَّكَ تَرْضَى * وَلا﴾.
قرأ الجمهور ﴿يَهْدِ﴾ الياء. وقرأ فرقة منهم ابن عباس والسلمي بالنون، وبخهم تعالى وذكرهم العبر بمن تقدم من القرون، ويعني بالإهلاك الإهلاك الناشىء عن تكذيب الرسل وترك الإيمان بالله واتباع رسله، والفاعل ليهد ضمير عائد على الله تعالى، ويؤيد هذا التخريج قراءة نهد بالنون ومعناه نبين وقاله الزجاج. وقيل : الفاعل مقدر تقديره الهدى والآراء
٢٨٨
والنظر والاعتبار. وقال ابن عطية : وهذا أحسن ما يقدر به عندي انتهى. وهو قول المبرد وليس بجيد إذ فيه حذف الفاعل وهو لا يجوز عند البصريين، وتحسينه أن يقال الفاعل مضمر تقديره ﴿يَهْدِ﴾ هو أي الهدى. وقال أبو البقاء : الفاعل ما دل عليه ﴿أَهْلَكْنَا﴾ والجملة مفسرة له. قال الحوفي ﴿كَمْ أَهْلَكْنَا﴾ قد دل على هلاك القرون، فالتقدير أفلم نبين لهم هلاك من ﴿أَهْلَكْنَا﴾ ﴿مِّنَ الْقُرُونِ﴾ ومحو آثارهم فيتعظوا بذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٧٠