وقرىء ﴿فَيَدْمَغُهُ﴾ بضم الميم انتهى. و﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ﴾ خطاب للكفار أي الخزي والهم مما تصفون أي تصفونه مما لا يليق به تعالى من اتخاذ الصاحبة والولد ونسبة المستحيلات إليه. وقيل ﴿لَكُمْ﴾ خطاب لمن تمسك بتكذيب الرسل ونسب القرآن إلى أنه سحر وأضغاث أحلام، وهو المعنى بقوله ﴿مِمَّا تَصِفُونَ﴾ وأبعد من ذهب إلى أنه التفات من ضمير الغيبة في ﴿فَمَا زَالَت تِّلْكَ دَعْوَاهُمْ﴾ إلى ضمير الخطاب، ثم أخبر تعالى أن من في السموات والأرض ملك له فاندرج فيه من سموه بالصاحبة والولد ومن عنده هم الملائكة، واحتمل أن يكون معطوفاً على ﴿مِنْ﴾ فيكونون قدر اندرجوا في الملائكة بطريق العموم لدخولهم في ﴿مِنْ﴾ وبطريق الخصوص بالنص على أنهم من عنده، ويكون ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ جملة حالية منهم أو استئناف إخبار، واحتمل أن يكون ومن عنده مبتدأ وخبره ﴿لا يَسْتَكْبِرُونَ﴾ وعند هنا لا يراد بها ظرف المكان لأنه تعالى منزه عن المكان، بل المعنى شرف المكانة وعلو المنزلة، والظاهر أن قوله ﴿وَلَه مَن فِى السَّمَـاوَاتِ وَالارْضِ﴾ استئناف إخبار بأن جميع العالم ملكه. وقيل : يحتمل أن يكون معادلاً لقوله ﴿وَلَكُمُ الْوَيْلُ مِمَّا تَصِفُونَ﴾ كأنه يقسم الأمر في نفسه أي للمتخلفين هذه المقالة الويل، ولله تعالى من في السموات والأرض انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
والمراد أن الملائكة مكرمون منزلون لكرامتهم على الله منزلة المقرّبين عند الملوك على طريق التمثيل والبيان
٣٠٢
لشرفهم وفضلهم، ويقال : حسر البعير واستحسر كل وتعب وحسرته أنا فهو متعد ولازم، وأحسرته أيضاً وقال الشاعر :
بها جيف الحسرى فإما عظامها
فبيض وأما جلدها فصليب
قال الزمخشري : فإن قلت : الاستحسار مبالغة في الحسور، وكان الأبلغ في وصفهم أن ينفي عنهم أدنى الحسور قلت : في الاستحسار بيان أن ما هم فيه يوجب غاية الحسور وأقصاه، وأنهم أخفاء لتلك العبادات الباهظة بأن يستحسروا فيما يفعلون انتهى.
﴿يَسْبَحُونَ﴾ هم الملائكة بإجماع الأمة وصفهم بتسبيح دائم. وعن كعب : جعل الله لهم التسبيح كالنفس وطرف العين للبشر يقع منهم دائماً دون أن يلحقهم فيه سآمة، وفي الحديث :"إني لأسمع أطيط السماء وحق لها أن تئط ليس فيها موضع راحة إلا وفيه ملك ساجد أو قائم.
﴿لَوْ كَانَ فِيهِمَآ ءَالِهَةٌ إِلا اللَّهُ لَفَسَدَتَا فَسُبْحَـانَ اللَّهِ رَبِّ الْعَرْشِ عَمَّا يَصِفُونَ * لا يُسْـاَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْـاَلُونَ * أَمِ اتَّخَذُوا مِن دُونِهِا ءَالِهَةًا قُلْ هَاتُوا بُرْهَـانَكُم هذا ذِكْرُ مَن مَّعِىَ وَذِكْرُ مَن قَبْلِى بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ﴾.
٣٠٣
لما ذكر تعالى الدلائل على وحدانيته وأن من في السموات والأرض كلهم ملك له، وأن الملائكة المكرمين هم في خدمته لا يفترون عن تسبيحه وعبادته، عاد إلى ما كان عليه من توبيخ المشركين وذمهم وتسفيه أحلامهم و﴿أَمِ﴾ هنا منقطعة تتقدر ببل والهمزة ففيها إضراب وانتقال من خبر إلى خبر، واستفهام معناه التعجب والإنكار أي ﴿اتَّخَذُوا ءَالِهَةً مِّنَ الارْضِ﴾ يتصفون بالإحياء ويقدرون عليها وعلى الإماتة، أي لم يتخذوا آلهة بهذا الوصف بل اتخذوا آلهة جماداً لا يتصف بالقدرة على شيء فهي غير آلهة لأن من صفة الإله القدرة على الإحياء والإماتة. وقال الزمخشري : فإن قلت : كيف أنكر عليهم اتخاذ آلهة تنشر وما كانوا يدعون ذلك لآلهتهم، وهم أبعد شيء عن هذه الدعوى لأنهم مع إقرارهم بأن الله خالق السموات والأرض وبأنه قادر على المقدورات كلها وعلى النشأة الأولى منكرين للبعث، وكان عندهم من قبيل المحال الخارج عن قدرة القادر فكيف يدعونه للجماد الذي لا يوصف بالقدرة ؟ قلت : الأمر كما ذكرت ولكنهم بادعائهم الإلهية يلزمهم أن يدعوا لها الإنشاء لأنه لا يستحق هذا الاسم إلاّ القادر على كل مقدور، والإنشاء من جملة المقدورات وفيه باب من التهكم بهم والتوبيخ والتجهيل، وإشعار بأن ما استبعدوه من الله لا يصح استبعاده لأن الإلهية لما صحت صح معها الاقتدار على الإبداء والإعادة ونحو قوله ﴿مِّنَ الارْضِ﴾ قولك : فلان من مكة أو من المدينة، تريد مكي أو مدني، ومعنى نسبتها إلى الأرض الإيذان بأنها الأصنام التي تعبد في الأرض لا أن الآلهة أرضية وسماوية، من ذلك حديث الأمة التي قال لها رسول الله صلى الله عليه وسلّم :"أين ربك ؟" فأشارت إلى السماء فال :"إنها مؤمنة" لأنه فهم منها أن مرادها نفي الآلهة الأرضية التي هي الأصنام لا إثبات السماء مكاناً لله تعالى. ويجوز أن يراد آلهة من جنس الأرض لأنها إما أن تنحت من بعض الحجارة أو تعمل من بعض جواهر الأرض.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
فإن قلت : لا بد من نكتة في قوله ﴿هُمْ﴾ قلت : النكتة فيه إفادة معنى الخصوصية كأنه قيل ﴿أَمِ اتَّخَذُوا ءَالِهَةً﴾ لا تقدر على الإنشاء إلا هم وحدهم انتهى.