وقال الزمخشري، الضمير للشمس والقمر، والمراد بهما جنس الطوالع كل يوم وليلة جعلوها متكاثرة لتكاثر مطالعها وهو السبب في جمعها بالشموس والأقمار، وإلاّ فالشمس واحدة والقمر واحد انتهى. وحسن ذلك كونه جاء فاصلة رأس آية، وأما كونه ضمير من يعقل ولم يكن التركيب يسبحن. فقال الفراء : لما كانت السباحة من أفعال الآدميين جاء ما أسند إليهما مجموعاً من يعقل كقوله ﴿رَأَيْتُهُمْ لِى سَـاجِدِينَ﴾ قال أبو عبد الله الرازي : وعلى قول أبي عليّ بن سينا سبب ذلك أنها عنده تعقل انتهى. وهذه الجملة يحتمل أن تكون استئناف إخبار فلا محل لها، أو محلها النصب على الحال من ﴿الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ﴾ لأن ﴿وَسَخَّرَ لَكُمُ﴾ لا يتصفان بأنهما يجريان ﴿فِى فَلَكٍ﴾ فهو كقولك : رأيت زيداً وهنداً متبرجة والسباحة العوم والذي يدل عليه الظاهر أن الشمس والقمر هما اللذان يجريان في الفلك، وأن الفلك لا يجري.
﴿وَمَا جَعَلْنَآ﴾ الآية. قيل : إن بعض المسلمين قال : إن محمداً لن يموت وإنما هو مخلد، فأنكر ذلك الرسول صلى الله عليه وسلّم فنزلت. وقيل : طعن كفار مكة عليه بأنه بشر يأكل الطعام ويموت فكيف يصح إرساله. وقال الزمخشري : كانوا يقدرون أنه سيموت فيشمتون بموته فنفى الله عنه الشماتة بهذا أي قضى الله أن لا يخلد في الدنيا بشراً فلا أنت ولا هم إلاّ عرضة للموت فإن مت أيبقى هؤلاء ؟ وفي معناه قول الإمام الشافعي رضي الله عنه :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
تمنى رجال أن أموت وإن أمتفتلك سبيل لست فيها بأوحدفقل للذي يبغي خلاف الذي مضىتزود لأخرى مثلها فكأن قد
وقول الآخر :
فقل للشامتين بنا أفيقواسيلقى الشامتون كما لقينا
والفاء في ﴿وَمَا جَعَلْنَآ﴾ العطف قدّمت عليها همزة الاستفهام لأن الاستفهام له صد الكلام، دخلت على
٣١٠
إن الشرطية والجملة بعدها جواب للشرط، وليست مصب الاستفهام فتكون الهمزة داخلة عليها، واعترض الشرط بينهما فحذف جوابه هذا مذهب سيبويه. وزعم يونس أن تلك الجملة هي مصب الاستفهام والشرط معترض بينهما وجوابه محذوف. قال ابن عطية : وألف الاستفهام داخلة في المعنى على جواب الشرط انتهى. وفي هذه الآية دليل لمذهب سيبويه إذ لو كان على ما زعم يونس لكان التركيب ﴿وَمَا جَعَلْنَآ﴾ هم ﴿الْخَـالِدُونَ﴾ بغير فاء، وللمذهبينن تقرير في علم النحو.
﴿كُلُّ نَفْسٍ ذَآاِقَةُ الْمَوْتِ﴾ تقدم تفسير هذه الجملة ﴿وَنَبْلُوكُم﴾ نختبركم وقدم الشر لأن الابتلاء به أكثر، ولأن العرب تقدم الأقل والأردأ، ومنه لا يغادر صغيرة ولا كبيرة، فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات. وعن ابن عباس : الخير والشر هنا عام في الغنى والفقر، والصحة والمرض، والطاعة والمعصية، والهدى والضلال. قال ابن عطية : هذان الأخيران ليسا داخلين في هذا لأن من هدى فلي هداه اختياراً ولا من أطاع. بل قد تبين خيره. والظاهر أن المراد من الخير والشر هنا كل ما صح أن يكون فتنة وابتلاء انتهى. وعن ابن عباس أيضاً بالشدة والرخاء أتصبرون على الشدة وتشكرون على الرخاء أم لا. وقال الضحاك : الفقر والمرض والغنى والصحة. وقال ابن زيد : المحبوب والمكروه، وانتصب ﴿فِتْنَةً﴾ على أنه مفعول له أو مصدر في موضع الحال، أو مصدر من معنى ﴿فِتْنَةًا وَإِلَيْنَا تُرْجَعُونَ﴾ فنجازيكم على ما صدر منكم في حالة الابتلاء من الصبر والشكر، وفي غير الابتلاء. وقرأ الجمهور ﴿تُرْجَعُونَ﴾ بتاء الخطاب مبنياً للمفعول. وقرأت فرقة بالتاء مفتوحة مبنياً للفاعل. وقرأت فرقة بضم الياء للغيبة مبنياً للمفعول على سبيل الالتفات.
﴿وَإِذَا رَءَاكَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا أَهَـاذَا الَّذِى يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَـانِ هُمْ كَـافِرُونَ * خُلِقَ الانْسَـانُ مِنْ عَجَلٍا سَأُوْرِيكُمْ ءَايَـاتِى فَلا تَسْتَعْجِلُونِ * وَيَقُولُونَ مَتَى هذا الْوَعْدُ إِن كُنتُمْ صَـادِقِينَ * لَوْ يَعْلَمُ الَّذِينَ كَفَرُوا حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ وَلا عَن ظُهُورِهِمْ وَلا هُمْ يُنصَرُونَ * بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً فَتَبْهَتُهُمْ فَلا يَسْتَطِيعُونَ رَدَّهَا وَلا هُمْ يُنظَرُونَ * وَلَقَدِ اسْتُهْزِئَ بِرُسُلٍ مِّن قَبْلِكَ فَحَاقَ بِالَّذِينَ سَخِرُوا مِنْهُم مَّا كَانُوا بِهِا يَسْتَهْزِءُونَ * قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِالَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَـانِا بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ * أَمْ لَهُمْ ءَالِهَةٌ تَمْنَعُهُم مِّن دُونِنَا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنفُسِهِمْ وَلا هُم مِّنَّا يُصْحَبُونَ﴾ :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣


الصفحة التالية
Icon