قال السدّي ومقاتل : مرّ الرسول عليه الصلاة والسلام بأبي جهل وأبي سفيان، فقال أبو جهل : هذا نبي عبد مناف، فقال أبو سفيان : وما تنكرون أن يكون نبياً في بني عبد مناف، فسمعهما الرسول صلى الله عليه وسلّم فقال لأبي جهل :"ما تنتهي حتى ينزل بك ما نزل بعمك الوليد بن المغيرة، وأما أنت يا أبا سفيان فإنما قلت ما قلت حمية" فنزلت.
ولما كان الكفار يغمهم ذكر آلهتهم بسوء شرعوا في الاستهزاء وتنقيص من يذكرهم على سبيل المقابلة و﴿ءَانٍ﴾ نافية بمعنى ما، والظاهر أن جواب ﴿إِذَا﴾ هو ﴿إِن يَتَّخِذُونَكَ﴾ وجواب إذا بان النافية لم يرد منه في القرآن إلا هذا وقوله في القرآن ﴿وَإِذَا رَأَوْكَ إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا﴾ ولم يحتج إلى الفاء في الجواب كما لم تحتج إليه ما إذا وقعت جواباً كقوله ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا بَيِّنَـاتٍ﴾ ما كان حجتهم بخلاف أدوات الشرط، فإنها إذا كان الجواب مصدراً بما النافية فلا بد من الفاء، نحو إن تزورنا فما نسيء إليك. وفي الجواب لاذا بأن وما النافيتين دليل واضح على أن ﴿إِذَا﴾ ليست معمولة للجواب، بل العامل فيها الفعل الذي يليها وليست مضافة للجملة خلافاً لأكثر النحاة. وقد استدللنا على ذلك بغير هذا من الأدلة في شرح التسهيل.
وقيل : جواب ﴿إِذَا﴾ محذوف وهو يقولون المحكي به قولهم ﴿أَهَـاذَا الَّذِى يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ﴾ وقوله ﴿إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا﴾ كلام معترض بين ﴿إِذَا﴾ وجوابه و﴿يَتَّخِذُونَكَ﴾ يتعدى إلى اثنين، والثاني ﴿هُزُوًا﴾ أي مهزوأ به، وهذا استفهام فيه إنكار وتعجيب. والذكر يكون بالخير وبالشر، فإذا لم يذكر متعلقه فالقرينة تدل عليه، فإن كان من صديق فالذكر ثناء أو من غيره فذم، ومنه ﴿سَمِعْنَا فَتًى يَذْكُرُهُمْ﴾ أي بسوء، وكذلك هنا ﴿أَهَـاذَا الَّذِى يَذْكُرُ ءَالِهَتَكُمْ﴾.
ثم نعى عليه إنكارهم عليه ذكر آلهتهم بهذه الجملة الحالية وهي ﴿وَهُم بِذِكْرِ الرَّحْمَـانِ هُمْ كَـافِرُونَ﴾ أي ينكرون وهذه حالهم يكفرون بذكر الرحمن، وهو ما أنزل من القرآن فمن هذه حاله لا ينبغي أن ينكر على من يغيب آلهتهم، والظاهر أن هذه الجملة حال من الضمير في يقولون المحذوف.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
وقال الزمخشري : والجملة في موضع الحال أي ﴿يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا﴾ وهم على حال هي أصل الهزء والسخرية وهي الكفر بالله انتهى. فجعل الجملة الحالية العامل فيها ﴿يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا﴾ المحذوفة وكررهم على سبيل التوكيد. وروي أنها نزلت حين أنكروا لفظة ﴿الرَّحْمَـانِ﴾ وقالوا : ما نعرف الرحمن إلاّ في اليمامة، والمراد بالرحمن هنا الله، كأنه قيل ﴿وَهُم بِذِكْرِ﴾ الله ولما كانوا يستعجلون عذاب الله وآياته الملجئة إلى ازقرار والعلم نهاهم تعالى عن الاستعجال وقدم أولاً ذم ﴿الانسَـانُ﴾ على إفراط العجلة وأنه مطبوع عليها، والظاهر أنه يراد بالإنسان هنا اسم الجنس وكونه ﴿خُلِقَ﴾ ﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ وهو على سبيل المبالغة لما كان يصدر منه كثيراً. كما يقول لمكثر اللعب أنت من لعب، وفي الحديث "لست من دد ولا دد مني". وقال الشاعر :
وإنّا لمما يضرب الكبش ضربةعلى رأسه تلقى اللسان من الفم
لما كانوا أهل ضرب الهام وملازمة الحرب قال : إنهم من الضرب، وبهذا التأويل يتم معنى الآية ويترتب عليه قوله ﴿عَنْ ءَايَـاتِىَ﴾ أي آيات الوعيد ﴿فَلا تَسْتَعْجِلُونِ﴾ في رؤيتكم العذاب الذي تستعجلون به، ومن يدعي القلب فيه وهو أبو عمرو وإن التقدير خلق العجل من الإنسان وكذا قراءة عبد الله على معنى أنه جعل طبيعة من طبائعه وجزأ من أخلاقه، فليس قوله بجيد لأن القلب الصحيح
٣١٢
فيه أن لا يكون في كلام فصيح وإن بابه الشعر. قيل : فمما جاء في الكلام من ذلك قول العرب : إذا طلعت الشعرى استوى العود على الحر باء. وقالوا : عرضت الناقة على الحوض وفي الشعر قوله :
حسرت كفى عن السربال آخذه
وقال مجاهد وسعيد بن جبير وعكرمة والسدّي والضحاك ومقاتل والكلبي ﴿الانسَـانُ﴾ هنا آدم. قال مجاهد : لما دخل الروح رأسه وعينيه رأى الشمس قاربت الغروب فقال : يا رب عجل تمام خلقي قبل أن تغيب الشمس. وقال سعيد : لما بلغت الروح ركبتيه كاد يقوم فقال الله ﴿خُلِقَ الانْسَـانُ مِنْ عَجَلٍ﴾. وقال ابن زيد : خلقه الله يوم الجمعة على عجلة في خلقه. وقال الأخفش ﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ لأن الله قال له كن فكان. وقال الحسن :﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ أي ضعيف يعني النطفة. وقيل : خلق بسرعة وتعجيل على غير تريب الآدميين من النطفة والعلقة والمضغة، وهذا يرجع لقول الأخفش. وقيل :﴿مِنْ عَجَلٍ﴾ من طين والعجل بلغة حمير الطين. وأنشد أبو عبيدة لبعض الحميريين :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
النبع في الصخرة الصماء منبتهوالنخل منبته في الماء والعجل