وقيل :﴿الانسَـانُ﴾ هنا النضر بن الحارث والذي ينبغي أن تحمل الآية عليه هو القول الأول وهو الذي يناسب آخرها. والآيات هنا قيل : الهلاك المعجل في الدنيا والعذاب في الآخرة أي يأتيكم في وقته. وقيل : أدلة التوحيد وصدق الرسول. وقيل : آثار القرون الماضية بالشام واليمن، والقول الأول أليق أي سيأتي ما يسؤوكم إذا دمتم على كفركم، كأنه يريد يوم بدر وغيره في الدنيا وفي الآخرة.
وقال الزمخشري : فإن قلت : لم نهاهم عن الاستعجال مع قوله ﴿خُلِقَ الانْسَـانُ مِنْ عَجَلٍ﴾ وقوله ﴿وَكَانَ الانسَـانُ عَجُولا﴾ أليس هذا من تكليف ما لا يطاق ؟ قلت : هذا كما ركب فيه من الشهوة وأمره أن يغلبها لأنه أعطاه القدرة التي يستطيع بها قمع الشهوة وترك العجلة انتهى. وهو على طريق الاعتزال.
وقرأ مجاهد وحميد وابن مقسم ﴿خُلِقَ﴾ مبنياً للفاعل ﴿الانسَـانُ﴾ بالنصب أي ﴿خُلِقَ﴾ الله ﴿الانسَـانُ﴾ وقوله ﴿مَتَى هذا الْوَعْدُ﴾ استفهام على جهة الهزء، وكان المسلمون يتوعدونهم على لسان الشرع و﴿مَتَى ﴾ في موضع الجر لهذا فموضعه رفع، ونقل عن بعض الكوفيين أن موضع ﴿مَتَى ﴾ نصب على الظرف والعامل فيه فعل مقدر تقديره يكون أو يجيء، وجواب ﴿لَوْ﴾ محذوف لدلالة الكلام عليه، وحذفه أبلغ وأهيب من النص عليه فقدره ابن عطية لما استعجلوا ونحوه، وقدره الزمخشري لما كانوا بتلك الصفة من الكفر والاستهزاء والاستعجال. وقيل : لعلموا صحة البعث. وقيل : لعلموا صحة الموعود. وقال الحوفي : لسارعوا إلى الإيمان. وقال الكسائي : هو تنبيه على تحقيق وقوع الساعة وحين يراد به وقت الساعة يدل على ذلك، بل تأتيهم بغتة انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
و﴿حِينٍ﴾ قال الزمخشري : مفعول به ليعلم أي لو يعلمون الوقت الذي يستعجلون عنه بقولهم ﴿مَتَى هذا الْوَعْدُ﴾ وهو وقت صعب شديد تحيط بهم النار من وراء وقدام، ولكن جهلهم به هو الذي هونه عندهم. قال : ويجوز أن يكون ﴿يَعْلَمْ﴾ متروكاً فلا تعدية بمعنى ﴿لَوْ﴾ كان معهم علم ولم يكونوا جاهلين لما كانوا مستعجلين، و﴿حِينٍ﴾ منصوب بمضمر أي ﴿حِينَ لا يَكُفُّونَ عَن وُجُوهِهِمُ النَّارَ﴾ يعلمون أنهم كانوا على الباطل، وينتفي عنهم هذا الجهل العظيم أي لا يكفونها انتهى. والذي يظهر أن مفعول ﴿يَعْلَمْ﴾ محذوف لدلالة ما قبله أي لو يعلم الذين كفروا مجيء الموعود الذي سألوا عنه واستنبطوه. و﴿حِينٍ﴾ منصوب بالمفعول الذي هو مجيء ويجوز أن يكون من باب الإعمال على حذف مضاف، وأعمل الثاني والمعنى لو يعلمون مباشرة النار حين لا يكفونها عن وجوههم، وذكر الوجوه لأنها أشرف ما في الإنسان وعجل حواسه، والإنسان أحرص على الدفاع عنه من غيره من أعضائه، ثم عطف عليها الظهور والمراد عموم النار لجميع أبدانهم ولا أحد
٣١٣
يمنعهم من العذاب ﴿بَلْ تَأْتِيهِم بَغْتَةً﴾ أي تفجؤهم. قال ابن عطية ﴿أَوَلَمْ تَأْتِهِم﴾ استدراك مقدر قبله نفي تقديره إن الآيات لا تأتي بحسب اقتراحهم انتهى. والظاهر أن الضمير في ﴿تَأْتِيَهُمُ﴾ عائد على النار. وقيل : على الساعة التي تصبرهم إلى العذاب. وقيل : على العقوبة. وقال الزمخشري : في عود الضمير إلى النار أو إلى الوعد لأنه في معنى النار وهي التي وعدوها، أو على تأويل العدة والموعدة أو إلى الحين لأنه في معنى الساعة أو إلى البعثة انتهى.
وقرأ الأعمش بل يأتيهم بالياء بغتة بفتح الغين فيبهتهم بالياء والضمير عائد إلى الوعد أو الحين قاله الزمخشري. وقال أبو الفضل الرازي : لعله جعل النار بمعنى العذاب فذكر ثم رد ردّها إلى ظاهر اللفظ ﴿وَلا هُمْ يُنظَرُونَ﴾ أي يؤخرون عما حل بهم، ولما تقدم قوله ﴿إِن يَتَّخِذُونَكَ إِلا هُزُوًا﴾ سلاه تعالى بأن من تقدمه من الرسل وقع من أممهم الاستهزاء بهم، وأن ثمرة استهزائهم جنوها هلاكاً وعقاباً في الدنيا والآخرة، فكذلك حال هؤلاء المستهزئين. وتقدم تفسير مثل هذه الآية في الأنعام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٢٩٣
ثم أمره تعالى أن يسألهم من الذي يحفظكم في أوقاتكم من بأس الله أي لا أحد يحفظكم منه، وهو استفهام تقريع وتوبيخ. وفي آخر الكلام تقدير محذوف كأنه ليس لهم مانع ولا كالىء، وعلى هذا النفي تركيب بل في قوله ﴿بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ﴾ قاله ابن عطية. وقال الزمخشري : بل هم معرضون عن ذكره لا يخطرونه ببالهم فضلاً أن يخافوا بأسه حتى إذا رزقوا الكلاءة منه عرفوا من الكالىء وصلحوا للسؤال عنه، والمراد أنه أمر رسوله بسؤالهم عن الكالىء ثم بيّن أنهم لا يصلحون لذلك لإعراضهم عن ذكر من يكلؤهم انتهى. وقرأ أبو جعفر والزهري وشيبة : يكلُوكم بضمة خفيفة من غير همز. وحكى الكسائي والفراء يكلَوكم بفتح اللام وإسكان الواو.


الصفحة التالية
Icon