وقال الأخفش : في المسائل ضرب الضرب الشديد زيداً، وضرب اليومان زيداً، وضرب مكانك زيداً وأعطى إعطاء حسن أخاك درهماً مضروباً عبده زيداً. وقيل : ضمير المصدر أقيم مقام الفاعل و﴿الْمُؤْمِنِينَ﴾ منصوب بإضمار فعل أي ﴿وَكَذالِكَ﴾ هو أي النجاء ﴿وَكَذَالِكَ نُـاجِى الْمُؤْمِنِينَ﴾ والمشهور عند البصريين أنه متى وجد المفعول به لم يقم غيره إلا أن صاحب اللباب حكى الخلاف في ذلك عن البصريين، وأن بعضهم أجاز ذلك.
﴿لا تَذَرْنِى فَرْدًا﴾ أي وحيداً بلا وارث، سأل ربه أن يرزقه ولداً يرثه
٣٣٥
ثم رد أمره إلى الله فقال ﴿وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ﴾ أي إن لم ترزقني من يرثني فأنت خير وارث، وإصلاح زوجه بحسن خلقها، وكانت سيئة الخلق قاله عطاء ومحمد بن كعب وعون بن عبد الله. وقيل : إصلاحها للولادة بعد أن كانت عاقراً قاله قتادة. وقيل : إصلاحها رد شبابها إليه، والضمير في ﴿أَنَّهُمْ﴾ عائد على الأنبياء السابق ذكرهم أي إن ستجابتنا لهم في طلباتهم كان لمبادرتهم الخير ولدعائهم لنا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
﴿رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾ أي وقت الرغبة ووقت الرهبة، كما قال تعالى ﴿يَحْذَرُ الاخِرَةَ وَيَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِا﴾ وقيل : الضمير يعود على ﴿زَكَرِيَّآ﴾ و﴿زَوْجَهُا ﴾ وابنهما يحيى. وقرأت فرقة يدعونا حذفت نون الرفع وطلحة بنون مشددة أدغم نون الرفع في نا ضمير النصب. وقرأ ابن وثاب والأعمش ووهب بن عمرو والنحوي وهارون وأبو معمر والأصمعي واللؤلؤي ويونس وأبو زيد سبعتهم عن أبي عمر و﴿رَغَبًا﴾ ورهباً} بالفتح وإسكان الهاء، والأشهر عن الأعمش بضمتين فيهما. وقرأ فرقة : بضم الراءين وسكون الغين والهاء، وانتصب بالفتح وإسكان الهاء، والأشهر عن الأعمش بضمتين فيهما. وقرأ فرقة : بضم الراءين وسكون الغين والهاء، وانتصب ﴿رَغَبًا وَرَهَبًا ﴾ على أنهما مصدران في موضع الحال أو مفعول من أجله.
﴿وَالَّتِى أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا﴾ هي مريم بنت عمران أم عيسى عليه السلام، والظاهر أن الفرج هنا حياء المرأة أحصنته أي منعته من الحلال والحرام كما قالت ﴿وَلَمْ يَمْسَسْنِى بَشَرٌ وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا﴾. وقيل : الفرج هنا جيب قميصها منعته من جبريل لما قرب منها لينفخ حيث لم يعرف، والظاهر أن قوله ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ كناية عن إيجاد عيسى حياً في بطنها، ولا نفخ هناك حقيقة، وأضاف الروح إليه تعالى على جهة التشريف. وقيل : هناك نفخ حقيقة وهو أن جبريل عليه السلام نفخ في جيب درعها وأسند النفخ إليه تعالى لما كان ذلك من جبريل بأمره تعالى تشريفاً. وقيل : الروح هنا جبريل كما قال ﴿فَأَرْسَلْنَآ إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا﴾ والمعنى ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا﴾ من جهة جبريل وكان جبريل قد نفخ من جيب درعها فوصل النفخ إلى جوفها.
قال الزمخشري : فإن قلت : نفخ الروح في الجسد عبارة عن إحيائه قال الله تعالى ﴿فَإِذَا سَوَّيْتُه وَنَفَخْتُ فِيهِ مِن رُّوحِى﴾ أي أحييته، وإذا ثبت ذلك كان قوله ﴿فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا﴾ ظاهر الإشكال لأنه يدل على إحياء مريم. قلت : معناه نفخنا الروح في عيسى فيها أي أحييناه في جوفها، ونحو ذلك أن يقول الزمار نفخت في بيت فلان أي نفخت في المزمار في بيته انتهى. ولا إشكال في ذلك لأنه على حذف مضاف أي ﴿فَنَفَخْنَا فِيهِ﴾ ابنها ﴿مِن رُّوحِنَا﴾ وقوله قلت معناه نفخنا الروح في عيسى فيها استعمل نفخ متعدياً، والمحفوظ أنه لا يتعدى فيحتاج في تعديه إلى جماع وغير متعد استعمله هو في قوله أي نفخت في المزمار في بيته انتهى. ولا إشكال في ذلك. وأفرد ﴿ءَايَةً﴾ لأن حالهما لمجموعهما آية واحدة وهي ولادتها إياه من غير فحل، وإن كان في مريم آيات وفي عيسى آيات لكنه هنا لحظ أمر الولادة من غير ذكر، وذلك هو آية واحدة وقوله ﴿لِّلْعَـالَمِينَ﴾ أي لمن اعتبر بها من عالمي زمانها فمن بعدهم، ودل ذكر مريم مع الأنبياء في هذه السورة على أنها كانت نبية إذ قرنت معهم في الذكر، ومن منع تنبؤ النساء قال ذكرت لأجل عيسى وناسب ذكرهما هنا قصة زكريا وزوجه ويحيى للقرابة التي بينهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧