﴿إِنَّ هَـاذِهِا أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ * وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم بَيْنَهُم كُلٌّ إِلَيْنَا رَاجِعُونَ * فَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّـالِحَـاتِ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِا وَإِنَّا لَه كَـاتِبُونَ * وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـاهَآ أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ * حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُم مِّن كُلِّ حَدَبٍ يَنسِلُونَ * وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَـاخِصَةٌ أَبْصَـارُ الَّذِينَ كَفَرُوا يَـاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هذا بَلْ كُنَّا ظَـالِمِينَ * إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنتُمْ لَهَا وَارِدُونَ * لَوْ كَانَ هَـؤُلاءِ ءَالِهَةً مَّا وَرَدُوهَا وَكُلٌّ فِيهَا خَـالِدُونَ * لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَهُمْ فِيهَا لا يَسْمَعُونَ﴾.
والظاهر أن قوله ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ خطاب لمعاصري الرسول صلى الله عليه وسلّم و﴿هَـاذِهِ﴾ إشارة إلى ملة الإسلام، أي إن ملة الإسلام هي ملتكم التي يجب أن تكونوا عليها لا تنحرفون عنها ملة واحدة غير مختلفة، ويحتمل أن تكون ﴿هَـاذِهِ﴾ إشارة إلى الطريقة التي كان عليها الأنبياء المذكورون من توحيد الله تعالى هي طريقتكم وملتكم طريقة واحدة لا اختلاف فيها في أصول العقائد، بل ما جاء به الأنبياء من ذلك هو ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلّم. وقيل : معنى ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ مخلوقة له تعالى مملوكة له، فالمراد بالأمة الناس كلهم. وقيل : الكلام يحتمل أن يكون متصلاً بقصة مريم وابنها أي ﴿وَجَعَلْنَـاهَا وَابْنَهَآ ءَايَةً لِّلْعَـالَمِينَ﴾ بأن بعث لهم بملة وكتاب، وقيل لهم ﴿إِنَّ هَـاذِهِا أُمَّتُكُمْ﴾ أي دعا الجميع إلى الإيمان بالله وعبادته.
ثم أخبر تعالى أنهم بعد ذلك اختلفوا ﴿وَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُم﴾ وقرأ الجمهور ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ بالرفع خبر ﴿أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ بالنصب على الحال، وقيل بدل من ﴿هَـاذِهِ﴾ وقرأ الحسن ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ بالنصب بدل من ﴿هَـاذِهِ﴾. وقرأ أيضاً هو وابن إسحاق والأشهب العقيلي وأبو حيوة وابن أبي عبلة والجعفي وهارون عن أبي عمرو والزعفراني ﴿أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ برفع الثلاثة على أن ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ و﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ خبر ﴿ءَانٍ﴾ أو ﴿أُمَّةً وَاحِدَةً﴾ بدل من ﴿أُمَّتُكُمْ﴾ بدل نكرة من معرفة، أو خبر مبتدأ محذوف أي هي}أمة واحدة} والضمير في أمة واحدة} والضمير في والضمير في ﴿وَتُقَطِّعُوا ﴾ عائد على ضمير الخطاب على سبيل الالتفات أي وتقطعتم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
ولما كان هذا الفعل من أقبح المرتكبات عدل عن الخطاب إلى لفظ الغيبة كأن هذا الفعل ما صدر من المخاطب لأن في الإخبار عنهم بذلك نعياً عليهم ما أفسدوه، وكأنه يخبر غيرهم ما صدر من قبيح فعلهم ويقول ألا ترى إلى ما ارتكب هؤلاء في دين الله جعلوا أمر دينهم قطعاً كما يتوزع الجماعة الشيء لهذا نصيب ولهذا نصيب، تمثيلاً لاختلافهم
٣٣٧
ثم توعدهم برجوع هذه الفرقة المختلفة إلى جزائه. وقيل : كل من الثابت على دينه الحق والزائغ عنه إلى غيره. وقرأ الأعمش زبراً بفتح الباء جمع زبرة، ثم ذكر حال المحسن وأنه لا يكفر سعيه والكفران مثل في حرمان الثواب كما أن الشكر مثل في إعطائه إذا قيل لله شكور ولا لنفي الجنس فهو أبلغ من قوله فلا يكفر سعيه، والكتابة عبارة عن إثبات عمله الصالح في صحيفة الأعمال ليثاب عليه، ولا يضيع، والكفران مصدر كالكفر. قال الشاعر :
رأيت أناساً لا تنام جدودهموجدي ولا كفران لله نائم
وفي حرف عبد الله لا كفر و﴿لِسَعْيِهِ﴾ متعلق بمحذوف، أي نكفر ﴿لِسَعْيِهِ﴾ ولا يكون متعلقاً بكفران إذ لو كان متعلقاً به لكان اسم لا مطولاً فيلزم تنوينه.
وقرأ الجمهور ﴿وَحَرَامٌ﴾ وقرأ حمزة والكسائي وأبو بكر وطلحة والأعمش وأبو حنيفة وأبو عمرو في رواية وحِرْم بكسر الحاء وسكون الراء. وقرأ قتادة ومطر الوراق ومحبوب عن أبي عمرو بفتح الحاء وسكون الراء. وقرأ عكرمة وحُرِمُ بكسر الراء والتنوين. وقرأ ابن عباس وعكرمة أيضاً وابن المسيب وقتادة أيضاً بكسر الراء وفتح الحاء والميم على المضي بخلاف عنهما، وأبو العالية وزيد بن عليّ بضم الراء وفتح الحاء والميم على المضي. وقرأ ابن عباس أيضاً بفتح الحاء والراء والميم على المضيّ. وقرأ اليماني وحُرِّمَ بضم الحاء وكسر الراء مشددة وفتح الميم. وقرأ الجمهور ﴿أَهْلَكْنَـاهَآ﴾ بنون العظمة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧