وقرأ السلمي وقتادة بتاء المتكلم، واستعير الحرام للمتنع وجوده ومنه ﴿إِنَّ اللَّهَ حَرَّمَهُمَا عَلَى الْكَـافِرِينَ﴾ ومعنى ﴿أَهْلَكْنَـاهَآ﴾ قدرنا إهلاكها على ما هي عليه من الكفر، فالإهلاك هنا إهلاك عن كفر و﴿لا﴾ في ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ صلة وهو قول أبي عبيد كقولك : ما منعك أن لا تسجد، أي يرجعون إلى الإيمان والمعنى وممتنع على أهل قرية قدرنا عليهم إهلاكهم لكفرهم رجوعهم في الدنيا إلى الإيمان إلى أن تقول القيامة، فحينئذ يرجعون ويقولون ﴿كَفَرُوا يَـاوَيْلَنَا قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ مِّنْ هَـاذَا﴾ وغياً بما قرب من مجيء الساعة وهو فتح ﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ وقرىء ﴿أَنَّهُمْ﴾ بالكسر فيكون الكلام قد تم عند قوله ﴿أَهْلَكْنَـاهَآ﴾ ويقدر محذوف تصير به ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـاهَآ﴾ جملة أي ذاك، وتكون إشارة إلى العمل الصالح المذكور في قسيم هؤلاء المهلكين، والمعنى ﴿وَحَرَامٌ عَلَى ﴾ أهل ﴿قُرْبَةٌ﴾ قدرنا إهلاكهم لكفرهم عمل صالح ينجون به من الإهلاك ثم أكد ذلك وعلله بأنهم ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ عن الكفر، فكيف لا يمتنع ذلك فالمحذوف مبتدأ والخبر ﴿وَحَرَامٌ﴾ وقدره بعضهم متقدماً كأنه قال : والإقالة والتوبة حرام. وقراءة الجمهور بالفتح تصح على هذا المعنى وتكون ﴿لا﴾ نافية على بابها والتقدير لأنهم لا يرجعون. وقيل ﴿أَهْلَكْنَـاهَآ﴾ أي وقع إهلاكنا إياهم ويكون رجوعهم إلى الدنيا فيتوبون بل هم صائرون إلى العذاب. وقيل : الإهلاك بالطبع على القلوب، والرجوع هو إلى التوبة والإيمان. وقال الزجاج ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَـاهَآ﴾ حكمنا بإهلاكها أن نتقبل أعمالهم لأنها ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ أي لا يتوبون، ودل على هذا المعنى قوله قبل ﴿فَلا كُفْرَانَ لِسَعْيِهِ﴾ أي يتقبل عمله ثم ذكر هذا عقيبه وبين أن الكافر لا يتقبل عمله.
وقال أبو مسلم بن بحر ﴿حَرَامٌ﴾ ممتنع و﴿أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ انتقام الرجوع إلى الآخرة، وإذا امتنع الانتفاء وجب الرجوع فالمعنى أنه يجب رجوعهم إلى الحياة في الدار الآخرة ويكون الغرض إنكار قول من ينكر البعث، وتحقيق ما تقدم من أنه لا كفران لسعي أحد وأنه يجزى على ذلك يوم القيامة. وقيل : الحرام يجيء بمعنى الواجب يدل عليه ﴿قُلْ تَعَالَوْا أَتْلُ مَا حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُم أَلا تُشْرِكُوا ﴾ وترك الشرك واجب. وقالت الخنساء :
٣٣٨
حرام علي أن لا أرى الدهر باكياعلى شجوه إلاّ بكيت على صخر
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وأيضاً فمن الاستعمال إطلاق الضمير على ضده، وعلى هذا فقال مجاهد والحسن ﴿لا يَرْجِعُونَ﴾ عن الشرك. وقال قتادة ومقاتل إلى الدنيا. قال ابن عطية : ويتجه في الآية معنى ضمنه وعيد بيّن وذلك أنه ذكر من عمل صالحاً وهو مؤمن ثم عاد إلى ذكر الكفرة الذين من كفرهم ومعتقدهم أنهم لا يحشرون إلى رب ولا يرجعون إلى معاد فهم يظنون بذلك أنه لا عقاب ينالهم، فجاءت الآية مكذبة لظن هؤلاء أي وممتنع على الكفرة المهلكين ﴿أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ﴾ بل هم راجعون إلى عقاب الله وأليم عذابه، فيكون لا على بابها والحرام على بابه. وكذلك الحرم فتأمله انتهى.
و ﴿حَتَّى ﴾ قال أبو البقاء متعلقة في المعنى بحرام أي يستمر الامتناع إلى هذا الوقت ولا عمل لها في ﴿إِذَا﴾. وقال الحوفي ﴿حَتَّى ﴾ غاية، والعمل فيها ما دل عليه المعنى من تأسفهم على ما فرطوا فيه من الطاعة حين فاتهم الاستدراك. وقال الزمخشري : فإن قلت : بم تعلقت ﴿حَتَّى ﴾ واقعة غاية له وأية الثلاث هي ؟ قلت : هي متعلقة بحرام، وهي غاية له لأن امتناع رجوعهم لا يزول حتى تقوم القيامة، وهي ﴿حَتَّى ﴾ التي تحكي الكلام، والكلام المحكي الجملة من الشرط والجزاء أعني إذا وما في حيزها انتهى.
وقال ابن عطية : هي متعلقة بقوله ﴿وَتُقَطِّعُوا ﴾ ويحتمل على بعض التأويلات المتقدمة أن تعلق بيرجعون، ويحتمل أن تكون حرف ابتداء وهو الأظهر بسبب ﴿إِذِ﴾ لأنها تقتضي جواباً هو المقصود ذكره انتهى. وكون ﴿حَتَّى ﴾ متعلقة فيه بعد من حيث ذكر الفصل لكنه من جهة المعنى جيد، وهو أنهم لا يزالون مختلفين غير مجتمعين على دين الحق إلى قرب مجيء الساعة، فإذا جاءت الساعة انقطع ذلك الاختلاف وعلم الجميع أن مولاهم الحق وأن الدين المنجي هو كان دين التوحيد. وجواب ﴿إِذَا﴾ محذوف تقديره ﴿قَالُوا يَـا أَبَانَا﴾ قاله الزجاج وجماعة أو تقديره، فحينئذ يبعثون ﴿الْحَقُّ فَإِذَا هِىَ شَـاخِصَةٌ﴾.
أو مذكور وهو واقترب على زيادة الواو قاله بعضهم، وهو مذهب الكوفيين وهم يجيزون زيادة الواو والفاء في فإذا هي قاله الحوفي. وقال الزمخشري : وإذا هي المفاجأة وهي تقع في المفاجآت سادة مسد الفاء لقوله تعالى ﴿إِذَا هُمْ يَقْنَطُونَ﴾ فإذا جاءت الفاء معها تعاونتا على وصل الجزاء بالشرط، فيتأكد ولو قيل ﴿فَإِذَا هِىَ شَـاخِصَةٌ﴾ كان سديداً.