جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وقال ابن عطية : والذي أقول أن الجواب في قوله ﴿فَإِذَا هِىَ شَـاخِصَةٌ﴾ وهذا هو المعنى الذي قصد ذكره لأنه رجوعهم الذي كانوا يكذبون به وحرّم عليهم امتناعه، وتقدم الخلاف في ﴿فُتِحَتْ﴾ في الأنعام ووافق ابن عامر أبو جعفر وشيبة وكذا التي في الأنعام والقمر في تشديد التاء، والجمهور على التخفيف فيهن و﴿فُتِحَتْ يَأْجُوجُ﴾ على حذف مضاف أي سد ﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ وتقدم الخلاف في قراءة ﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ والظاهر أن ضمير ﴿وَهُمْ﴾ عائد على ﴿يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ﴾ أي يطلعون من كل ثنية ومرتفع ويعمون الأرض. وقيل : الضمير للعالم ويدل عليه قراءة عبد الله وابن عباس من كل جدث بالثاء المثلثة وهو القبر. وقرىء بالفاء الثاء للحجاز والفاء لتميم وهي بدل من الثاء كما أبدلوا الثاء منها قالوا وأصله مغفور.
وقرأ الجمهور ﴿يَنسِلُونَ﴾ بكسر السين وابن أبي إسحاق وأبو السمال بضمها ﴿وَاقْتَرَبَ الْوَعْدُ الْحَقُّ﴾ أي الوعد بالبعث الحق الذي لا شك فيه ﴿وَاقْتَرِب﴾ قيل : أبلغ في القرب من قرب وضمير ﴿هِىَ﴾ للقصة كأنه قيل : فإذا القصة والحادثة ﴿أَبْصَـارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ ﴿شَـاخِصَةٌ﴾ ويلزم أن تكون ﴿شَـاخِصَةٌ﴾ الخبر و﴿أَبْصَـارُ﴾ مبتدأ، ولا يجوز ارتفاع أبصار شاخصة لأنه يلزم أن تكون بعد ضمير الشأن، أو القصة جملة تفسر الضمير مصرح بجزأيها، ويجوز ذلك على مذهب الكوفيين. وقال الزمخشري :﴿هِىَ﴾ ضمير مبهم توضحه الأبصار وتفسره كما فسر الذين ظلموا وأسروا انتهى.
٣٣٩
ولم يذكر غير هذا الوجه وهو قول للفراء. قال الفراء :﴿هِىَ﴾ ضمير الأبصار تقدمت لدلالة الكلام ومجيء ما يفسرها وأنشد على ذلك قول الشاعر :
فلا وأبيها لا تقول خليلتيإلاّ قرّ عني مالك بن أبي كعب
وذكر أيضاً الفراء أن ﴿هِىَ﴾ عماد يصلح في موضعها هو وأنشد :
يثوب ودينار وشاة ودرهمفهل هو مرفوع بما ههنا رأس
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
وهذا لا يتمشى إلا على أحد قولي الكسائي في إجازته تقديم الفصل مع الخبر على المبتدأ أجاز هو القائم زيد على أن زيد هو المبتدأ والقائم خبره، وهو عماد وأصل المسألة زيد هو القائم، ويقول : أصله هذه فإذا ﴿أَبْصَـارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ هي ﴿شَـاخِصَةٌ﴾ فشاخصة خبر عن ﴿أَبْصَـارُ﴾ وتقدم مع العماد، ويجيء على مذهب من يجيز العماد قبل خبره نكرة، وذكر الثعلبي وجهاً آخر وهو أن الكلام ثم عند قوله :﴿فَإِذَا هِىَ﴾ أي بارزة واقعة يعني الساعة، ثم ابتدأ فقال ﴿شَـاخِصَةٌ أَبْصَـارُ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ وهذا وجه متكلف متنافر التركيب. وروى حذيفة لو أن رجلاً اقتنى فلو أبعد خروج يأجوج ومأجوج لم يركبه حتى تقوم الساعة يعني في مجيء الساعة إثر خروجهم.
معمول لقول محذوف. قال الزمخشري : تقديره يقولون وهو في موضع الحال من الذين كفروا وتقدم قول الزجاج أن هذا القول جواب ﴿مِن قَبْلِكُمْ إِذَآ﴾ والشخوص إحداد النظر دون أن يطرف في غفلة من هذا انتهى. أي مما وجدنا الآن وتبينا من الحقائق ثم أضربوا عن قولهم ﴿قَدْ كُنَّا فِى غَفْلَةٍ﴾ وأخبروا بما قد كانوا تعمدوه من الكفر والإعراض عن الإيمان فقالوا ﴿بَلْ كُنَّا ظَـالِمِينَ﴾ والخطاب بقوله ﴿إِنَّكُمْ وَمَا تَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ﴾ للكفار المعاصرين رسول الله صلى الله عليه وسلّم، ولا سيما أهل مكة ومعبوداتهم هي الأصنام.
وقرأ الجمهور ﴿حَصَبُ﴾ بالحاء والصاد المهملتين، وهو ما يحصب به أي يرمى به في نار جهنم. وقبل أن يرمي به لا يطلق عليه حصب إلا مجازاً. وقرأ ابن السميفع وابن أبي عبلة ومحبوب وأبو حاتم عن ابن كثير بإسكان الصاد، ورويت عن ابن عباس وهو مصدر يراد به المفعول أي المحصوب. وقرأ ابن عباس : بالضاد المعجمة المفتوحة وعنه إسكانها، وبذلك قرأ كثير عزة : والحضب ما يرمى به في النار، والمحضب العود أو الحديدة أو غيرهما مما تحرك به النار. قال الشاعر :
فلا تك في حربنا محضبافتجعل قومك شتى شعوبا
وقرأ أُبي وعليّ وعائشة وابن الزبير وزيد بن علي حطب بالطاء، وجمع الكفار مع معبوداتهم في النار لزيادة غمهم وحسرتهم برؤيتهم معهم فيها إذ عذبوا بسببهم، وكانوا يرجون الخير بعبادتهم فحصل لهم الشر من قبلهم ولأنهم صاروا لهم أعداء ورؤية العدوّ مما يزيد في العذاب. كما قال الشاعر :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣١٧
واحتمال الأذى ورؤية جابيهغذاء تضنى به الأجسام