لما ذكر تعالى أهوال يوم القيامة ذكر من غفل عن الجزاء في ذلك اليوم وكذب به. وقرأ زيد بن عليّ ﴿وَيَتَّبِعْ﴾ خفيفاً، والظاهر أن الضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ عائد على ﴿مِنْ﴾ لأنه المحدث عنه، وفي ﴿إِنَّهُ﴾ و﴿تَوَلاهُ﴾ وفي ﴿فَإِنَّهُا﴾ عائد عليه أيضاً، والفاعل يتولى ضمير ﴿مِنْ﴾ وكذلك الهاء في ﴿يُضِلُّهُ﴾ ويجوز أن تكون الهاء في هذا الوجه أنه ضمير الشأن، والمعنى أن هذا المجادل لكثرة جداله بالباطل واتباعه الشيطان صار إماماً في الضلال لمن يتولاه، فشأنه أن يضل من يتولاه. وقيل : الضمير في ﴿عَلَيْهِ﴾ عائد على ﴿كُلَّ شَيْطَـانٍ مَّرِيدٍ﴾ قاله قتادة ولم يذكر الزمخشري غيره، وأورد ابن عطية القول الأول احتمالاً. وقال ابن عطية : ويظهر لي أن الضمير في ﴿إِنَّهُ﴾ الأولى للشيطان والثانية لمن الذي هو للمتولي. قال الزمخشري : والكتبة عليه مثل أي إنما ﴿كِتَـابَ﴾ إضلال من يتولاه ﴿عَلَيْهِ﴾ ورقم به لظهور ذلك في حاله.
وقرأ الجمهور ﴿كِتَـابَ﴾ مبنياً للمفعول. وقرىء ﴿كِتَـابَ﴾ مبنياً للفاعل أي كتب الله. وقرأ الجمهور :﴿إِنَّهُ﴾ بفتح الهمزة في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله، ﴿فَإِنَّهُا﴾ بفتحها أيضاً، والفاء جواب ﴿مِنْ﴾ الشرطية أو الداخلة في خبر ﴿مِنْ﴾ إن كانت موصولة. و﴿فَإِنَّهُا﴾ على تقدير فشأنه أنه ﴿يُضِلُّهُ﴾ أي إضلاله أو فله أن يضله.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
وقال الزمخشري : فمن فتح فلأن الأول فاعل ﴿كِتَـابَ﴾ بعني به مفعولاً لم يسم فاعله، قال : والثاني عطف عليه انتهى. وهذا لا يجوز لأنك إذا جعلت ﴿فَإِنَّهُا﴾ عطفاً على ﴿إِنَّهُ﴾ بقيت بلا استيفاء خبر لأن ﴿مَن تَوَلاهُ﴾ من، فيه مبتدأة، فإن قدرتها موصولة فلا خبر لها حتى يستقل خبراً لأنه وإن جعلتها شرطية فلا جواب لها إذ جعلت ﴿فَإِنَّهُا﴾ عطفاً على ﴿إِنَّهُ﴾ ومثل قول الزمخشري قال ابن عطية قال ﴿وَأَنَّهُا﴾ في موضع رفع على المفعول الذي لم يسم فاعله، وأنه الثانية عطف على الأولى مؤكدة مثلها، وخطا خطأ لما بيناه. وقرأ الأعمش والجعفي عن أبي عمر و﴿إِنَّهُ﴾ ﴿فَإِنَّهُا﴾ بكسر الهمزتين. وقال ابن عطية : وقرأ أبو عمرو ﴿أَنَّه مَن تَوَلاهُ فَأَنَّه يُضِلُّهُ﴾ بالكسر فيهما انتهى، وليس مشهوراً عن أبي عمرو. والظاهر أن ذلك من إسناد ﴿كِتَـابَ﴾ إلى الجملة إسناداً لفظياً أي ﴿كِتَـابَ﴾ عليه هذا الكلام كما تقول : كتب إن الله يأمر بالعدل. وقال الزمخشري : أو عن تقدير قبل أو على المفعول الذي لم يسم فاعله الكتب، والجملة من ﴿أَنَّه مَن تَوَلاهُ﴾ في موضع المفعول الذي لم يسم فاعله لقيل المقدرة، وهذا لا يجوز عند البصريين لأن الفاعل عندهم لا يكون جملة فلا يكون ذلك مفعولاً لم يسم فاعله، وأما الثاني فلا يجوز أيضاً على مذهب البصريين لأنه لا تكسر أن بعد ما هو بمعنى القول، بل بعد القول صريحة، ومعنى ﴿وَيَهْدِيهِ﴾ ويسوقه وعبر بلفظ الهداية على سبيل التهكم.
ولما ذكر تعالى من يجادل في قدرة الله بغير علم وكان جدالهم في الحشر والمعاد ذكر دليلين واضحين على ذلك أحدهما في نفس الإنسان وابتداء خلقه، وتطوره في
٣٥١
مراتب سبع وهي التراب، والنطفة، والعلقة، والمضغة، والإخراج طفلاً، وبلوغ الأشد، والتوفي أو الرد إلى الهرم. والثاني في الأرض التي تشاهدون تنقلها من حال إلى حال فإذا اعتبر العاقل ذلك ثبت عنده جوازه عقلاً فإذا ورد خبر الشرع بوقوعه وجب التصديق به وأنه واقع لا محالة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
وقرأ الحسن ﴿مِّنَ الْبَعْثِ﴾ بفتح العين وهي لغة فيه كالحلب والطرد في الحلب والطرد، والكوفيون إسكان العين عندهم تخفيف يقيسونه فيما وسطه حرف حلق كالنهر والنهر والشعر والشعر، والبصريون لا يقيسونه وما ورد من ذلك هو عندهم مما جاء فيه لغتان. والمعنى إن ارتبتم في البعث فمزيل ريبكم أن تنظروا في بدء خلقكم ﴿مِّن تُرَابٍ﴾ أي أصلكم آدم وسلط الفعل عليهم من حيث هم من ذريته، أو باعتبار وسائط التولد لأن المني ودم الطمث يتولدان من الأغذية والأغذية حيوان ونبات، والحيوان يعود إلى النبات، والنبات من الأرض والماء والنطفة المني. وقيل ﴿نُّطْفَةٍ﴾ آدم قاله النقاش. والعلقة قطعة الدم الجامدة ومعنى ﴿وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ أي ليست كاملة ولا ملساء فالمضغ متفاوتة لذلك تفاوتوا طولاً وقصراً وتماماً ونقصاناً. وقال مجاهد ﴿وَغَيْرِ مُخَلَّقَةٍ﴾ هي التي تستسقط وقاله قتادة والشعبي وأبو العالية. ولما كان الإنسان فيه أعضاء متباينة وكل واحد منها مختص بخلق حسن تضعيف الفعل لأن فيه خلقاً كثيرة.


الصفحة التالية
Icon