وقرأ ابن أبي عبلة ﴿مُّخَلَّقَةٍ﴾ بالنصب وغير بالنصب أيضاً نصباً على الحال من النكرة المتقدمة، وهو قليل وقاسه سيبويه. قال الزمخشري : و﴿لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ بهذا التدريج قدرتنا وإن من قدر على خلق البشر ﴿مِّن تُرَابٍ﴾ أولاً ﴿ثُمَّ مِن نُّطْفَةٍ﴾ ثانياً ولا تناسب بين التراب والماء، وقدر على أن يجعل النطفة ﴿عَلَقَةٍ﴾ وبينهما تباين ظاهر ثم يجعل العلقة ﴿مُضْغَةً﴾ والمضغة عظاماً قدر على إعادة ما أبداه، بل هذا أدخل في القدرة وأهون في القياس وورود الفعل غير معدي إلى المبين إعلام بأن أفعاله هذه يتبين بها من قدرته وعلمه ما لا يكتنهه الفكر ولا يحيط به الوصف انتهى.
و﴿لِّنُبَيِّنَ﴾ متعلق بخلقناكم. وقيل ﴿لِّنُبَيِّنَ﴾ لكم أمر البعث. قال ابن عطية : وهو اعتراض بين الكلامين. وقال الكرماني : يعني رشدكم وضلالكم. وقيل ﴿لِّنُبَيِّنَ لَكُمْ﴾ أن التخليق هو اختيار من الفاعل المختار، ولولاه ما صار بعضه غير مخلق. وقرأ ابن أبي عبلة ليبين لكم ويقر بالياء. وقرأ يعقوب وعاصم في رواية ﴿وَنُقِرُّ﴾ بالنصب عطفاً على ﴿لِّنُبَيِّنَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
وعن عاصم أيضاً ثم يخرجكم بنصب الجيم عطفاً على ﴿وَنُقِرُّ﴾ إذا نصب. وعن يعقوب ﴿وَنُقِرُّ﴾ بفتح النون وضم القاف والراء من قر الماء صبه. وقرأ أبو زيد النحوي ويقر بفتح الياء والراء وكسر القاف وفي الكلام لابن حبار ﴿لِّنُبَيِّنَ﴾ ﴿وَنُقِرُّ﴾ بالنصب فيهن. المفضل وبالياء فيهما مع النصب، أبو حاتم وبالياء والرفع عمر بن شبة انتهى.
قال الزمخشري : والقراءة بالرفع إخبار بأنه تعالى يقر في الأرحام ما يشاء أن يقره من ذلك.
﴿وَيُؤَخِّرْكُمْ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى ﴾ وهو وقت الوضع وما لم يشأ إقراره مجته الأرحام أو أسقطته. والقراءة بالنصب تعليل معطوف على تعليل والمعنى ﴿خَلَقْنَـاكُمْ﴾ مدرجين هذا التدريج لغرضين أحدهما : أن نبين قدرتنا والثاني أن ﴿نُقِرَ فِى النَّاقُورِ﴾ من نقر حتى يولدوا وينشؤوا ويبلغوا حد التكليف فأكلفهم. ويعضد هذه القراءة قوله ﴿ثُمَّ لِتَبْلُغُوا أَشُدَّكُمْ﴾ انتهى.
وقرأ يحيى بن وثاب ﴿مَا نَشَآءُ﴾ بكسر النون والأجل المسمى مختلف فيه بحسب جنين جنين فساقط وكامل أمره خارج حياً ووحد ﴿طِفْلا﴾ لأنه مصدر في الأصل قاله المبرد والطبري، أو لأن الغرض الدلالة على الجنس، أو لأن معنى يخرجكم كل واحد كقولك الرجال يشبعهم رغيف أي يشبع كل واحد. وقال الزمخشري : الأشد كمال القوة والعقل والتمييز، وهو من ألفاظ الجموع التي لم يستعمل لها واحد كالأشدة والقيود وغير ذلك وكأنها مشدة في غير شيء واحد فبنيت لذلك على لفظ الجمع انتهى.
٣٥٢
وتقدم الكلام في الأشد ومقداره من الزمان. وإن من الناس من قال إنه جمع شدة كأنعم جمع نعمة وأما القيود : فعن أبي عمرو الشيباني إن واحدة قيد ﴿وَمِنكُم مَّن يُتَوَفَّى ﴾ وقرىء ﴿يَتَوَفَّى﴾ بفتح الياء أي يُسْتَوْفَى أجله، والجمهور بالضم أي بعد الأشد وقبل الهرم، وهو ﴿أَرْذَلِ الْعُمُرِ﴾ والخرف، فيصبر إلى حالة الطفولية ضعيف البنية سخيف العقل، ولا زمان لذلك محدود بل ذلك بحسب ما يقع في الناس وقد نرى من علت سنه وقارب المائة أو بلغها في غاية جودة الذهن والإدراك مع قوة ونشاط، ونرى من هو في سن الاكتهال وقد ضعفت بنيته أوضح تعالى أنه قادر على إنهائه إلى حالة الخرف كما أنه كان قادراً على تدريجه إلى حالة التمام، فكذلك هو قادر على إعادة الأجساد التي درجها في هذه المناقل وإنشائها النشأة الثانية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
و يتعلق بقوله، يرد} قال الكلبي قال الكلبي ﴿يَسِيرٌ * لِّكَيْلا﴾ يعقل من بعد عقله الأول شيئاً. وقيل ﴿لِّكَيْلا﴾ يستفيد علماً وينسى ما علمه. وقال الزمخشري : أي ليصير نسَّاءً بحيث إذا كسب علماً في شيء لم ينشب أن ينساه ويزل عنه علمه حتى يسأل عنه من ساعته، يقول لك من هذا ؟ فتقول فلان فما يلبث لحظة إلا سألك عنه. وروى عن أبي عمرو ونافع تسكين ميم ﴿الْعُمُرُ﴾.


الصفحة التالية
Icon