وقرأ زيد بن عليّ فأذيقه بهمزة المتكلم ذلك إشارة إلى الخزي والإذاقة، وجوزوا في إعراب ذلك هذا ما جوزوا في إعراب ذلك بأن الله هو الحق. وتقدم المراد في ﴿بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ﴾ أي باجترامك وبعدل الله فيك إذ عصيته، ويحتمل أن يكون وأن الله متقطعاً ليس ذلك في السبب والتقدير والأمر أن الله. قال ابن عطية : والعبيد هنا ذكروا في معنى مسكنتهم وقلة قدرتهم، فلذلك جاءت هذه الصيغة انتهى. وهو يفرق بين العبيد والعباد وقد رددنا عليه تفرقته في أواخر آل عمران في قوله ﴿وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّـامٍ لِّلْعَبِيدِ﴾ وشرحنا هنا قوله ﴿بِظُلْمٍ﴾.
من ﴿يَعْبُدُ اللَّهَ﴾ نزلت في أعراب من أسلم وغطفان تباطؤوا عن الإسلام وقالوا : نخاف أن لا ينصر محمد فينقطع ما بيننا وبين حلفائنا من يهود فلا يقرونا ولا يؤونا. وقيل : في أعراب لا يقين لهم يسلم أحدهم فيتفق تثمير ماله وولادة ذكر وغير ذلك من الخير، فيقول : هذا دين جيد أو ينعكس حاله فيتشاءم ويرتد كما جرى للعرنيين قال معناه ابن عباس ومجاهد وقتادة وغيرهم. وعن ابن عباس : في شيبة بن ربيعة أسلم قبل ظهور الرسول صلى الله عليه وسلّم، فلما أوحى إليه ارتد. وقيل : في يهودي أسلم فأصيب فتشاءم بالإسلام، وسأل الرسول إلا قاله فقال :"إن الإسلام لا يقال" فنزلت. وعن الحس : هو المنافق يعبده بلسانه دون قلبه وقال ابن عيسى : على ضعف يقين. وقال أبو عبيد ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ على شك. وقال ابن عطية ﴿حَرْفٍ﴾ على انحراف منه عن العقيدة البيضاء، أو على شفا منها معداً للزهوق.
وقال الزمخشري ﴿عَلَى حَرْفٍ﴾ على طرف من الدين لا في وسطه وقبله، وهذا مثل لكونهم على قلق واضطراب في دينهم لا على سكون وطمأنينة كالذي يكون على طرف من العسكر، فأن أحسن بظفر وغنيمة قرّ واطمأنّ وإلاّ فرّ وطار على وجهه انتهى. وخسرانه الدنيا إصابته فيها بما يسوؤه من ذهاب ماله وفقد أحبائه فلم يسلم للقضاء. وخسران الآخرة حيث حرم ثواب من صبر فارتد عن الإسلام.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
وقرأ مجاهد وحميد والأعرج وابن محيصن من طريق الزعفراني وقعنب والجحدري وابن مقسم خاسر الدنيا اسم فاعل نصباً على الحل. وقرىء خاسر اسم فاعل مرفوعاً على تقدير وهو خاسر. وقال الزمخشري : والرفع على الفاعلية ووضع الظاهر موضع الضمير وهو وجه حسن انتهى. وقرأ الجمهور :﴿خُسْرٍ﴾ فعلاً ماضياً وهو استئناف إخبار، ويجوز أن يكون في موضع الحال ولا يحتاج إلى إضمار قد لأنه كثر وقوع الماضي حالاً في لسان العرب بغير قد فساغ القياس عليه، وأجاز أبو الفضل الرازي أن يكون بدلاً من قوله ﴿انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ﴾ كما كان يضاعف بدلاً من يلق. وتقدم تفسير ﴿الضَّلَـالُ الْبَعِيدُ﴾ في قوله ﴿ضَلَـا بَعِيدًا﴾ ونفى هنا الضر والنفع وأثبتهما في قوله ﴿لَمَن ضَرُّهُا أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِا﴾ وذلك لاختلاف المتعلق، وذلك أن قوله ﴿مَا لا يَنفَعُهُمْ﴾ هو الأصنام والأوثان، ولذلك أتى التعبير عنها بما التي لا تكون لآحاد من يعقل. وقوله ﴿يَدْعُوا لَمَن ضَرُّهُا﴾ هو من عبد باقتضاء، وطلب من عابديه من المدعين الإلهية كفرعون وغيره من ملوك بني عبيد الذين كانوا بالمغرب ثم ملكوا مصر، فإنهم كانوا يدعون الإلهية ويطاف بقصرهم في مصر وينادون بما ينادي به رب العالمين من التسبيح والتقديس، فهؤلاء وإن كان منهم
٣٥٥
نفع مّا لعابديهم في دار الدنيا فضررهم أعظم وأقرب من نفعهم، إذ هم في الدنيا مملوكون للكفار وعابدون لغير الله، وفي الآخرة معذبون العذاب الدائم ولهذا كان التعبير هنا بمن التي هي لمن يعقل، وعلى هذا فتكون الجملتان من إخبار الله تعالى عمن يدعو إلهاً غير الله.


الصفحة التالية
Icon