وقال الزمخشري : فإن قلت : الضر والنفع منفيان عن الأصنام مثبتان لها في الآيتين وهذا تناقض قلت : إذا حصل المعنى ذهب هذا الوهم، وذلك أن الله تعالى سفه الكافر بأنه يعبد جماداً لا يملك ضراً ولا نفعاً وهو يعتقد فيه بجهله وضلالته أن سينتفع به، ثم قال يوم القيامة يقول هذا الكافر بدعاء وصراخ حين يرى استضراره بالأصنام ودخوله النار بعبادتها، ولا يرى أثر الشفاعة التي ادعاها لها ﴿لَمَن ضَرُّهُا أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِا لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ﴾ وكرر يدعوا كأنه قال ﴿يَدْعُ﴾ ﴿يَدْعُوا مِن دُونِ اللَّهِ مَا لا يَضُرُّه وَمَا لا يَنفَعُهُا﴾ ثم قال ﴿لَمَن ضَرُّهُا﴾ بكونه معبوداً ﴿أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِا﴾ بكونه شفيعاً ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾ انتهى. فجعل الزمخشري المدعو في الآيتين الأصنام وأزال التعارض باختلاف القائلين بالجملة الأول من قول الله تعالى إخباراً عن حال الأصنام. والجملة الثانية من كلام عباد الأصنام يقولون ذلك في الآخرة، وحكى الله عنهم ذلك وأنهم أثبتوا ضراً بكونهم عبدوه، وأثبتوا نفعاً بكونهم اعتقدوه شفيعاً. فالنافي هناك غير المثبت هنا، فزال التعارض على زعمه والذي أقول إن الصنم ليس له نفع ألبتة حتى يقال ﴿ضَرُّهُا أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِا﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
وأجاب بعضهم عن زعم من زعم أن الظاهر الآيتين يقتضي التعارض بأنها لا تضر ولا تنفع بأنفسها ولكن عبادتها نسب الضرر إليها كقوله ﴿رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ﴾ أضاف الإضلال إليهم إذ كانوا سبب الضلال، فكذا هنا نفي الضرر عنهم لكونها ليست فاعلة ثم أضافه إليها لكونها سبب الضرر. وقال آخرون : هي في الحقيقة لا تضر ولا تنفع بين ذلك في الآية الأولى ثم أثبت لها الضر والنفع في الثانية على طريق التسليم، أي ولو سلمنا كونها ضارة نافعة لكان ضرها أكثر من نفعها، وتكلف المعربون وجوهاً فقالوا ﴿يَدْعُ﴾ إما أن يكون لها تعلق بقوله ﴿لَمَن ضَرُّهُا﴾ أولاً إن لم يكن لها تعلق فوجوه.
أحدها : أن يكون توكيداً لفظياً ليدعو الأولى، فلا يكون لها معمول.
الثاني : أن تكون عاملة في ذلك من قوله ﴿ذالِكَ هُوَ الضَّلَـالُ﴾ وقد المفعول الذي هو ﴿ذَالِكَ﴾ وجعل موصولاً بمعنى الذي قاله أبو علي الفارسي، وهذا لا يصح إلا على قول الكوفيين إذ يجيزون في اسم الإشارة أن يكون موصولاً، والبصريون لا يجيزون ذلك إلاّ في ذا بشرط أن يتقدمها الاستفهام بما أو من.
الثالث : أن يكون ﴿يَدْعُ﴾ في موضع الحال، ﴿وَذَالِكَ﴾ مبتدأ وهو فصل أو مبتدأ وحذف الضمير من ﴿يَدْعُ﴾ أي يدعوه وقدره مدعواً وهذا ضعيف، لأن يدعوه لا يقدر مدعواً إنما يقدر داعياً، فلو كان يدعى مبنياً للمفعول لكان تقديره مدعواً جارياً على القياس. وقال نحوه الزجاج وإن كان له تعلق بقوله ﴿لَمَن ضَرُّهُا﴾ فوجوه.
أحدها : ما قاله الأخفش وهو أن ﴿يَدْعُ﴾ بمعنى يقول و﴿مِنْ﴾ مبتدأ موصول صلته الجملة بعده. وهي ﴿ضَرُّهُا أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِا﴾ وخبر المبتدأ محذوف، تقديره إله وإلهي. والجملة في موضع نصب محكية بيدعو التي هي بمعنى يقول، قيل : هو فاسد المعنى لأن الكافر لم يعتقد قط أن الأوثان ضرها أقرب من نفعها. وقيل : في هذا القول يكون ﴿لَبِئْسَ﴾ مستأنفاً لأنه لا يصح دخوله في الحكاية لأن الكفار لا يقولون عن أصنامهم ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
الثاني : أن ﴿يَدْعُ﴾ بمعنى يسمي، والمحذوف آخراً هو المفعول الثاني ليسمى تقديره إلهاً وهذا لا يتم إلاّ بتقدير زيادة اللام أي يدعو من ضره.
الثالث : أن يدعو شبه بأفعال القلوب لأن الدعاء لا يصدر إلاّ عن اعتقاد، والأحسن أن يضمن معنى يزعم ويقدر لمن خبره، والجملة في موضع نصب ليدعو أشار إلى هذا الوجه الفارسي.
والرابع : ما قاله الفراء وهو أن
٣٥٦
اللام دخلت في غير موضعها والتقدير ﴿يَدْعُ﴾ من لضره أقرب من نفعه، وهذا بعيد لأن ما كان في صلة الموصول لا يتقدم على الموصول.
الخامس : أن تكون اللام زائدة للتوكيد، و﴿مِنْ﴾ مفعول بيدعو وهو ضعيف لأنه ليس من مواضع زيادة اللام، لكن يقويه قراءة عبد الله يدعو من ضره بإسقاط اللام، وأقرب التوجيهات أن يكون ﴿يَدْعُ﴾ توكيداً ليدعو الأول ؛ واللام في ﴿لِمَنْ﴾ لام الابتداء، والخبر الجملة التي هي قسم محذوف، وجوابه ﴿لَبِئْسَ الْمَوْلَى ﴾ والظاهر أن ﴿يَدْعُ﴾ يراد به النداء والاستغاثة. وقيل : معناه بعيد، و﴿الْمَوْلَى ﴾ هنا الناصر والعشير الصاحب المخالط.


الصفحة التالية
Icon