وقال ابن عطية :﴿مِنْ﴾ في ﴿مِنْ أَسَاوِرَ﴾ لبيان الجنس، ويحتمل أن تكون للتبيعض. وتقدم الكلام على نظير هذه الجملة في الكهف. وقرأ ابن عباس من أسور بفتح الراء من غير ألف ولا هاء، وكان قياسه أن يصرفه لأنه نقص بناؤه فصار كجندل لكنه قدر المحذوف موجوداً فمنعه الصرف. وقرأ اصم ونافع والحسن والجحدري والأعرج وأبو جعفر وعيسى بن عمر وسلام ويعقوب ﴿وَلُؤْلُؤًا ﴾ هنا وفي فاطر بالنصب وحمله أبو الفتح على إضمار فعل وقدره الزمخشري ويؤتون ﴿لُؤْلُؤًا﴾ ومن جعل ﴿مِنْ﴾ في ﴿مِنْ أَسَاوِرَ﴾ زائدة جاز أن يعطف ﴿وَلُؤْلُؤًا ﴾ على موضع ﴿أَسَاوِرَ﴾ وقيل يعطف على موضع ﴿مِنْ أَسَاوِرَ﴾ لأنه يقدر و﴿يُحَلَّوْنَ﴾ حلياً ﴿مِنْ أَسَاوِرَ﴾. وقرأ باقي السبعة والحسن أيضاً وطلحة وابن وثاب والأعمش. وأهل مكة ولؤلؤ بالخفض عطفاً على ﴿أَسَاوِرَ﴾ أو على ﴿ذَهَبَ﴾ لأن السوار يكون من ذهب ولؤلؤ، يجمع بعضه إلى بعض.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
قال الجحدري : الألف ثابتة بعد الواو في الإمام. وقال الأصمعي : ليس فيها ألف، وروى يحيى عن أبي بكر همز الأخير وإبدال الأولى. وروى المعلى بن منصور عنه ضد ذلك. وقرأ الفياض : ولولياً قلب الهمزتين واواً صارت الثانية واواً قبلها ضمة، عمل فيها ما عمل في أدل من قلب الواو ياء والضمة قبلها كسرة. وقرأ ابن عباس وليلياً أبدل المهمزتين واوين ثم قلبهما ياءين اتبع الأولى للثانية. وقرأ طلحة ولول مجروراً عطفاً على ما عطف عليه المهموز.
﴿وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ﴾ إن كانت الهداية في الدنيا فهو قول لا إله إلاّ الله، والأقوال الطيبة من الأذكار وغيرها، ويكون الصراط طريق الإسلام وإن كان إخباراً عما يقع منهم في الآخرة فهو قولهم : الحمد لله الذي صدقنا وعده وما أشبه ذلك من محاورة أهل الجنة، ويكون الصراط الطريق إلى الجنة. وعن ابن عباس : هو لا إله إلا الله والحمد لله زاد ابن زيد والله أكبر. وعن السدّي القرآن. وحكى الماوردي : الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وعن ابن عباس : هو الحمد لله الذي صدقنا وعده، والظاهر أن ﴿الْحَمِيدِ﴾ وصف لله تعالى. قال ابن عطية : ويحتمل أن يرد بالحميد نفس الطريق، فأضاف إليه على حد إضافته في قوله : دار الآخرة.
﴿إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِى جَعَلْنَـاهُ لِلنَّاسِ سَوَآءً الْعَـاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِا وَمَن يُرِدْ فِيهِ﴾.
٣٦١
المضارع قد لا يلحظ فيه زمان معين من حال أو استقبال فيدل إذ ذاك على الاستمرار، ومنه ﴿وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ﴾ كقوله ﴿الَّذِينَ ءَامَنُوا وَتَطْمَـاِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللَّهِ﴾ وقيل : هو مضارع أريد به الماضي عطفاً على ﴿كَفَرُوا ﴾ وقيل : هو على إضمار مبتدأ أي وهم ﴿يَصِدُّونَ﴾ وخبر إن محذوف قدره ابن عطية بعد ﴿وَالْبَادِ﴾ خسروا أو هلكوا وقدره الزمخشري بعد قوله ﴿الْحَرَامِ﴾ نذيقهم ﴿مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ ولا يصح تقديره بعده لأن الذي صفة ﴿الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ﴾ فموضع التقدير هو بعد ﴿وَالْبَادِ﴾ لكن مقدر الزمخشري أحسن من مقدر ابن عطية لأنه يدل عليه الجملة الشرطية بعد من جهة اللفظ، ابن عطية لحظ من جهة المعنى لأن من أذيق العذاب خسر وهلك. وقيل : الواو في ﴿وَيَصُدُّونَ﴾ زائدة وهو خبر إن تقديره إن الذين كفروا يصدون. قال ابن عطية : وهذا مفسد للمعنى المقصود انتهى. ولا يجيز البصريون زيادة الواو وإنما هو قول كوفي مرغوب عنه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٤٥
وهذه الآية نزلت عام الحديبية حين صدّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم عن المسجد الحرام وذلك أنه لم يعلم لهم صد قبل ذلك بجمع إلاّ أن يراد صدهم لأفراد من الناس فقد وقع ذلك في صدر المبعث، والظاهر أنه نفس المسجد ومن صد عن الوصول إليه فقد صد عنه. وقيل : الحرم كله لأنهم صدوه وأهله عليه السلام فنزلوا خارجاً عنه لكنه قصد بالذكر المهم المقصد من الحرم.
وقرأ الجمهور ﴿سَوَآءٌ﴾ بالرفع على أن الجملة من مبتدأ وخبر في موضع المفعول الثاني، والأحسن أن يكون ﴿الْعَـاكِفُ﴾ هو المبتدأ و﴿فِيهِ سَوَآءٌ﴾
٣٦٢


الصفحة التالية
Icon