وقال الكرماني : التقدير بشير و﴿نَّذِيرٍ﴾ فحذف والتقسيم داخل في المقول، والسعي الطلب والاجتهاد في ذلك، ويقال : سعى فلان في أمر فلان فيكون بإصلاح وبإفساد وقد يستعمل في الشر، يقال : فيه سعى بفلان سعاية أي تحيل، وكاد في إيصال الشر إليه وسعيهم بالفساد في آيات الله حيث طعنوا فيها قسموها سحراً وشعراً وأساطير الأولين، وثبطوا الناس عن الإيمان بها.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو والجحدري وأبو السمال والزعفراني معجزّين بالتشديد هنا وفي حرفي سبأ زاد الجحدري في جميع القرآن أي مثبطين. وقرأ باقي السبعة بألف. وقرأ ابن الزبير معجّزين بسكون العين وتخفيف الزاي من أعجزني إذا سبقك فقاتك. قال صاحب اللوامح : لكنه هنا بمعنى معاجزين أي ظانين أنهم يعجزوننا، وذلك لظنهم أنهم لا يبعثون. وقيل :
٣٧٩
في ﴿مُعَـاجِزِينَ﴾ معاندين، وأما معجّزين بالتشديد فإنه بمعنى مثبطين الناس عن الإسلام، ويقال : مثبطين.
وقال الزمخشري : عاجزه سابقه لأن كل واحد منهما في طلب إعجاز الآخر عن اللحاق به، فإذا سبقه قيل أعجزه وعجزه، فالمعنى سابقين أو مسابقين في زعمهم وتقديرهم، طامعين أن كيدهم للإسلام يتم لهم انتهى.
وقال أبو علي الفارسي : معجزين معناه ناسبين أصحاب النبيّ صلى الله عليه وسلّم إلى العجز كما تقول : فسقت فلاناً إذا نسبته إلى الفسق. وتقدم شرح أخرى هاتين الجملتين الواردتين تقسيماً.
﴿وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلا نَبِىٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَـانُ فِى أُمْنِيَّتِهِا فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
لما ذكر تعالى أنه يدفع عن
٣٨٠
الذين آمنوا وأنه تعالى أذن للمؤمنين في القتال وأنهم كانوا أخرجوا من ديارهم وذكر مسلاة رسوله صلى الله عليه وسلّم بتكذيب من تقدم من الأمم لأنبيائهم وما آل إليه أمرهم من الإهلاك إثر التكذيب وبعد الإمهال، وأمره أن ينادي الناس ويخبرهم أنه نذير لهم بعد أن استعجلوا بالعذاب، وأنه ليس له تقديم العذاب ولا تأخيره، ذكر له تعالى مسلاة ثانية باعتبار من مضى من الرسل والأنبياء وهو أنهم كانوا حريصين على إيمان قومهم متمنين لذلك مثابرين عليه، وأنه ما منهم أحد إلاّ وكان الشيطان يراغمه بتزيين الكفر لقومه وبث ذلك إليهم وإلقائه في نفوسهم، كما أنه صلى الله عليه وسلّم كان من أحرص الناس على هدى قومه وكان فيهم شياطين كالنضر بن الحارث يلقون لقومه وللوافدين عليه شبهاً يثبطون بها عن الإسلام، ولذلك جاء قبل هذه الآية ﴿وَالَّذِينَ سَعَوْا فِى ءَايَـاتِنَا مُعَـاجِزِينَ﴾ وسعيهم بإلقاء الشبه في قلوب من استمالوه، ونسب ذلك إلى الشيطان لأنه هو المغوي والمحرك شياطين الإنس للإغواء كما قال ﴿لاغْوِيَنَّهُمْ﴾ وقيل : إن ﴿الشَّيْطَـانَ﴾ هنا هو جنس يراد به شياطين الإنس. والضمير في ﴿أُمْنِيَّتِهِ﴾ عائد على ﴿الشَّيْطَـانَ﴾ أي في أمنية نفسه، أي بسبب أمنية نفسه. ومفعول ﴿أَلْقَى ﴾ محذوف لفهم المعنى وهو الشر والكفر، ومخالفة ذلك الرسول أو النبيّ لأن الشيطان ليس يلقي الخير. ومعنى ﴿فَيَنسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِى الشَّيْطَـانُ﴾ أي يزيل تلك الشبه شيئاً فشيئاً حتى يسلم الناس، كما قال ﴿وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِى دِينِ اللَّهِ أَفْوَاجًا﴾ و﴿يُحْكِمُ اللَّهُ ءَايَـاتِهِا﴾ أي معجزاته يظهرها محكمة لا لبس فيها ﴿لِّيَجْعَلَ مَا يُلْقِى الشَّيْطَـانُ﴾ من تلك الشبه وزخارف القول ﴿فِتْنَةً﴾ لمريض القلب ولقاسيه ﴿وَلِيَعْلَمَ﴾ من أوتي العلم أن ما تمنى الرسول والنبيّ من هداية قومه وإيمانهم هو الحق. وهذه الآية ليس فيها إسناد شيء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم، إنما تضمنت حالة من كان قبله من الرسل والأنبياء إذا تمنوا.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
وذكر المفسرون في كتبهم ابن عطية والزمخشري فمن قبلها ومن بعدهما ما لا يجوز وقوعه من آحاد المؤمنين منسوباً إلى المعصوم صلوات الله عليه، وأطالوا في ذلك وفي تقريره سؤالاً وجواباً وهي قصة سئل عنها الإمام محمد بن إسحاق جامع السيرة النبوية، فقال : هذا من وضع الزنادقة، وصنف في ذلك
٣٨١


الصفحة التالية
Icon