كتاباً. وقال الإمام الحافظ أبو بكر أحمد بن الحسين البيهقي : هذه القصة غير ثابتة من جهة النقل، وقال ما معناه : إن رواتها مطعون عليهم وليس في الصحاح ولا في التصانيف الحديثية شيء مما ذكروه فوجب اطّراحه ولذلك نزهت كتابي عن ذكره فيه. والعجب من نقل هذا وهم يتلون في كتاب الله تعالى ﴿وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلا وَحْىٌ يُوحَى ﴾ وقال الله تعالى آمراً لنبيه ﴿قُلْ مَا يَكُونُ لِى أَنْ أُبَدِّلَه مِن تِلْقَآى ِ نَفْسِى إِنْ أَتَّبِعُ إِلا مَا يُوحَى إِلَىَّ﴾ وقال تعالى ﴿وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاقَاوِيلِ﴾ الآية وقال تعالى :﴿وَلَوْلا أَن ثَبَّتْنَـاكَ لَقَدْ كِدتَّ تَرْكَنُ إِلَيْهِمْ﴾ الآية فالتثبيت واقع والمقاربة منفية. وقال تعالى ﴿كَذَلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤَادَكَ﴾ وقال تعالى :﴿سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنسَى ﴾ وهذه نصوص تشهد بعصمته، وأما من جهة المعقول فلا يمكن ذلك لأن تجويزه يطرق إلى تجويزه في جميع الأحكام والشريعة فلا يؤمن فيها التبديل والتغيير، واستحالة ذلك معلومة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
ولنرجع إلى تفسير بعض ألفاظ الآية إذ قد قررنا ما لاح لنا فيها من المعنى فقوله ﴿مِن قَبْلِكَ﴾ ﴿مِنْ﴾ فيه لابتداء الغاية و﴿مِنْ﴾ في ﴿مِن رَّسُولٍ﴾ زائدة تفيد استغراق الجنس. وعطف ﴿وَلا نَبِىٍّ﴾ على ﴿مِن رَّسُولٍ﴾ دليل على المغايرة. وقد تقدم لنا الكلام على مدلوليهما فأغنى عن إعادته هنا، وجاء بعد ﴿إِلا﴾ جملة ظاهرها الشرط وهو ﴿إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَـانُ﴾ وقاله الحوفي، ونصوا على أنه يليها في النفي مضارع لا يشترط فيه شرط، فتقول : ما زيد إلاّ بفعل كذا، وما رأيت زيداً إلاّ بفعل كذا، وماض بشرط أن يتقدمه فعل كقوله ﴿وَمَا يَأْتِيهِم مِّن رَّسُولٍ إِلا كَانُوا ﴾ أو يكون الماضي مصحوباً بقدر نحو : ما زيد إلاّ قد قام، وما جاء بعد ﴿إِلا﴾ في الآية جملة شرطية ولم يلها مرض مصحوب بقد ولا عار منها، فإن صح ما نصوا عليه تؤول على أن إذا جردت للظرفية ولا شرط فيها وفصل بها بين ﴿إِلا﴾ والفعل الذي هو ﴿أَلْقَى ﴾ وهو فصل جائز فتكون إلاّ قد وليها ماض في التقدير ووجد شرطه وهو تقدم فعل قبل ﴿إِلا﴾ وهو ﴿وَمَآ أَرْسَلْنَآ﴾ وعاد الضمير في مفرداً وذكروا أنه إذا كان العطف بالواو عاد الضمير مطابقاً للمتعاطفين، وهذا عطف بالواو وما جاء غير مطابق أولوه على الحذف فيكون تأويل هذا ﴿مُّعْرِضُونَ * وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ﴾ ﴿إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَـانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ﴾ ﴿وَلا نَبِىٍّ إِلا إِذَا تَمَنَّى أَلْقَى الشَّيْطَـانُ فِى أُمْنِيَّتِهِ﴾ فحذف من الأول لدلالة الثاني عليه و﴿تَمَنَّى ﴾ تفعل من المنية.
قال أبو مسلم : التمني نهاية التقدير، ومنه المنية وفاة الإنسان للوقت الذي قدره الله، ومنى الله لك أي قدر. وقال رواه اللغة : الأمنية القراءة، واحتجوا ببيت حسان وذلك راجع إلى الأصل الذي ذكر فإن التالي مقدر للحروف فذكرها شيئاً فشيئاً انتهى. وبيت حسان :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
تمنى كتاب الله أول ليلةوآخره لاقى حمام المقادر
وقال آخر : تمنى كتاب الله أول ليلة
تمنى داوود الزبور على رسل
وحمل بعض المفسرين قوله ﴿إِذَا تُمْنَى ﴾ على تلا و﴿فِى أُمْنِيَّتِهِ﴾ على تلاوته. والجملة بعد ﴿إِلا﴾ في موضع الحال أي ﴿إِذْ أَرْسَلْنَـاهُ﴾ إلاّ، وحاله هذه. وقيل : الجملة في موضع الصفة وهو قول الزمخشري في نحو : ما مررتَ بأحد إلاّ زيد خير منه، والصحيح أن الجملة حالية لا صفة لقبولها واو الحال، واللام في ﴿لِيَجْعَلَ﴾ متعلقة بيحكم قاله الحوفي. وقال ابن عطية : بينسخ. وقال غيرهما : ألقى، والظاهر أنها للتعليل. وقيل : هي لام العاقبة و﴿مَا﴾ في ﴿يُلْقِى﴾ الظاهر أنها بمعنى الذي، وجوز أن تكون مصدرية.
والفتنة : الابتلاء والاختبار. والذين في قلوبهم مرض عامة الكفار. وقال الزمخشري : المنافقون والشاكون ﴿وَالْقَاسِيَةِ قُلُوبُهُمْ﴾ خواص من الكفار عتاة كأبي جهل والنضر وعتبة. وقال الزمخشري :
٣٨٢
المشركون المكذبون ﴿وَإِنَّ الظَّـالِمِينَ﴾ يريد وإن هؤلاء المنافقين والمشركين، وأصله وإنهم فوضع الظاهر موضع المضمر، قضاء عليهم بالظلم. والشقاق المشاقة أي في شق غير شق الصلاح، ووصفه بالبعيد مبالغة في انتهائه وأنهم غير مرجو رجعتهم منه.
والضمير في :﴿إِنَّهُ﴾ قال ابن عطية : عائد على القرآن ﴿وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ﴾ أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم، وقد تقدم من قولنا في الآية ما يعود الضمير إليه ﴿فَتُخْبِتَ﴾ أي تتواضع وتتطامن بخلاف من في قلبه مرض وقسا قلبه. وقرأ الجمهور ﴿لَهَادِ الَّذِينَ ءَامَنُوا ﴾ الإضافة، وأبو حيوة وابن أبي عبلة بتنوين.


الصفحة التالية
Icon