المرية : الشك. والضمير في ﴿الْكِتَـابَ مِنْهُ﴾ قيل : عائد على القرآن. وقيل : على الرسول. وقيل : ما ألقى الشيطان، ولما ذكر حال الكافرين أولاً ثم حال المؤمنين ثانياً عاد إلى شرح حال الكافرين، والظاهر أن ﴿السَّاعَةَ﴾ يوم القيامة. قيل : واليوم العقيم يوم بدر. وقيل : ساعة موتهم أو قتلهم في الدنيا كيوم بدر، واليوم العقيم يوم القيامة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
وقال الزمخشري : اليوم العقيم يوم بدر، وإنما وصف يوم الحرب بالعقيم لأن أولاد النساء يقتلون فيه فيصرن كأنهن عقم لم يلدن، أو لأن المقاتلين يقال لهم أبناء الحرب فإذا قتلوا وصف يوم الحرب بالعقم على سبيل المجاز.
وقيل : هو الذي لا خير فيه يقال : ريح عقيم إذا لم تنشىء مطراً ولم تلقح شجراً. وقيل : لا مثل له في عظم أمره لقتال الملائكة فيه. وعن الضحاك : إنه يوم القيامة وإن المراد بالساعة مقدماته ويجوز أن يراد بالساعة و﴿يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ يوم القيامة كأنه قيل ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ﴾ أو يأتيهم عذابها فوضع ﴿يَوْمٍ عَقِيمٍ﴾ موضع الضمير انتهى. وقال ابن عطية : وسمى يوم القيامة أو يوم الاستئصال عقيماً لأنه لا ليلة بعده ولا يوم، والأيام كلها نتائج يجيء واحد أثر واحد، وكان آخر يوم قد عقم وهذه استعارة، وجملة هذه الآية توعد انتهى. و﴿حَتَّى ﴾ غاية لاستمرار مريتهم، فالمعنى ﴿حَتَّى تَأْتِيَهُمُ السَّاعَةُ﴾ ﴿أَوْ عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾ فتزول مريتهم ويشاهدون الأمر عياناً.
والتنوين في ﴿يَوْمَـاِذٍ﴾ تنوين العوض، والجملة المعوض منها هذا التنوين هو الذي حذف بعد الغاية أي ﴿الْمَلِكُ﴾ يوم تزول مريتهم وقدره الزمخشري أولاً يوم يؤمنون وهو لازم لزوال المرية، فإنه إذا زالت المرية آمنوا، وقدر ثانياً كما قدرنا وهو الأولى. والظاهر أن هذا اليوم هو يوم القيامة من حيث أنه لا ملك فيه لأحد من ملوك الدنيا كما قال تعالى ﴿لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ﴾ ويساعد هذا التقسيم بعده، ومن قال إنه يوم بدر ونحوه فمن حيث ينفذ قضاء الله وحده ويبطل ما سواه ويمضي حكمه فيمن أراد تعذيبه، ويكون التقسيم إخباراً متركباً على حالهم في ذلك اليوم العقيم من الإيمان والكفر وألفاظ التقسيم ومعانيها واضحة لا تحتاج إلى شرح. وقابل النعيم بالعذاب ووصفه بالمهين مبالغة فيه.
﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾ الآية هذا ابتداء معنى آخر، وذلك أنه لما مات عثمان بن مظعون وأبو سلمة بن عبد الأسد قال بعض الناس : من قتل من المهاجرين أفضل ممن مات حتف أنفه، فنزلت مسوِّية بينهم في أن الله يرزقهم ﴿رِزْقًا حَسَنًا﴾ وظاهر ﴿وَالَّذِينَ هَاجَرُوا ﴾ العموم. وقال مجاهد : نزلت في طوائف خرجوا من مكة إلى المدينة للهجرة فتبعهم المشركون وقاتلوهم. وروي أن طوائف من الصحابة قالوا : يا نبيّ الله هؤلاء الذين قتلوا قد علمنا ما أعطاهم الله من الخير ونحن نجاهد معك كما جاهدوا، فما لنا إن متنا معك ؟ فأنزل الله هاتين الآيتين.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
وقال الزمخشري : لما جمعتهم المهاجرة في سبيل الله سوّى بينهم في الموعد أن يعطي من مات منهم مثل ما يعطي من قتل فضلاً منه وإحساناً والله عليم بدرجات العاملين ومراتب استحقاقهم، حليم عن تفريط المفرط منهم بفضله وكرمه انتهى. وفي قوله : ومراتب استحقاقهم دسيسة الاعتزال، والتسوية في الوعد بالرزق لا تدل على تفضيل في قدر المعطى، ولا تسوية فإن يكن تفضيل فمن دليل آخر وظاهر الشريعة أن المقتول أفضل. وقيل : المقتول
٣٨٣
والميت في سبيل الله شهيدان.
والرزق الحسن يحتمل أن يراد به رزق الشهداء في البرزخ، ويحتمل أنه بعد يوم القيامة في الجنة وهو النعيم فيها. وقال الكلبي : هو الغنيمة. وقال الأصلم : هو العلم والفهم كقول شعيب ﴿وَرَزَقَنِى مِنْهُ رِزْقًا حَسَنًا ﴾ وضعف هذان القولان لأنه تعالى جعل الرزق الحسن جزاء على قتلهم في سبيل الله أو موتهم بعد هجرتهم، وبعد ذلك لا يكون الرزق في الدنيا. والظاهر أن ﴿خَيْرُ الراَّزِقِينَ﴾ أفعل تفضيل، والتفاوت أنه تعالى مختص بأن يرزق بما لا يقدر عليه غيره تعالى، وبأنه الأصل في الرزق وغيره إنما يرزق بماله من الرزق من جهة الله.
ولما ذكر الرزق ذكر المسكن فقال ﴿لَيُدْخِلَنَّهُم مُّدْخَلا يَرْضَوْنَهُا﴾ وهو الجنة يرضونه يختارونه إذ فيه رضاهم كما قال ﴿لا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلا﴾ وتقدم الخلاف في القراءة بضم الميم أو فتحها في النساء، والأولى أن يكون يراد بالمدخل مكان الدخول أو مكان الإدخال، ويحتمل أن يكون مصدراً.


الصفحة التالية
Icon