وقال ابن عطية : وقوله ﴿فَتُصْبِحُ الارْضُ﴾ بمنزلة قوله فتضحى أو تصير عبارة عن استعجالها أثر نزول الماء واستمرارها كذلك عادة ووقع قوله ﴿فَتُصْبِحُ﴾ من حيث الآية خبراً، والفاء عاطفة وليست بجواب لأن كونها جواباً لقوله ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ فاسد المعنى انتهى. ولم يبين هو ولا الزمخشري كيف يكون النصب نافياً للاخضرار، ولا كون المعنى فاسداً. وقال سيبويه : وسألته يعني الخليل عن ﴿أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ مِنَ السَّمَآءِ مَآءً فَتُصْبِحُ الارْضُ مُخْضَرَّةً﴾ فقال : هذا واجب وهو تنبيه. كأنك قلت : أتسمع ﴿أَنزَلَ اللَّهُ مِنَ السَّمَآءِ مِن مَّآءٍ﴾ فكان كذا وكذا. قال ابن خروف، وقوله فقال هذا واجب، وقوله فكان كذا يريد أنهما ماضيان، وفسر الكلام بأتسمع ليريك أنه لا يتصل بالاستفهام لضعف حكم الاستفهام فيه، ووقع في الشرقية عوض أتسمع انتبه انتهى. ومعنى في الشرقية في النسخة الشرقية من كتاب سيبويه.
وقال بعض شراح الكتاب ﴿فَتُصْبِحُ﴾ لا يمكن نصبه لأن الكلام واجب ألا ترى أن المعنى ﴿أَنَّ اللَّهَ أَنزَلَ﴾ فالأرض هذا حالها. وقال الفراء ﴿أَلَمْ تَرَ﴾ خبر كما تقول في الكلام اعلم أن الله يفعل كذا فيكون كذا انتهى. ويقول إنما امتنع النصب جواباً للاستفهام هنا لأن النفي إذا دخل عليه الاستفهام وإن كان يقتضي تقريراً في بعض الكلام هو معامل معاملة النفي المحض في الجواب ألا ترى إلى قوله ﴿أَلَسْتُ بِرَبِّكُم قَالُوا بَلَى ﴾ وكذلك في الجواب بالفاء إذا أجبت النفي كان على معنيين في كل منهما ينتفي الجواب، فإذا قلت : ما تأتينا فتحدثنا بالنصب، فالمعنى ما تأتينا محدثاً إنما يأتي ولا يحدث، ويجوز أن يكون المعنى إنك لا تأتي فكيف تحدث، فالحديث منتف في الحالتين والتقرير بأداة الاستفهام كالنفي المحض في الجواب يثبت ما دخلته الهمزة، وينتفي الجواب فيلزم من هذا الذي قررناه إثبات الرؤية وانتفاء الاخضرار وهو خلاف المقصود. وأيضاً فإن جواب الاستفهام ينعقد منه مع الاستفهام السابق شرط وجزاء فقوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
ألم تسأل فتخبرك الرسوم
يتقدر أن تسأل فتخبرك الرسوم، وهنا لا يتقدر أن ترى إنزال المطر تصبح الأرض مخضرة لأن اخضرارها ليس مترتباً على علمك أو رؤيتك، إنما هو مترتب على الإنزال، وإنما عبر بالمضارع لأن فيه تصويراً للهيئة التي الأرض عليها، والحالة التي لابست الأرض، والماضي يفيد انقطاع الشيء وهذا كقول جحدر بن معونة العكلي، يصف حاله مع أشد نازلة في قصة جرت له مع الحجاج بن يوسف :
يسمو بناظرتين تحسب فيهمالما أجالهما شعاع سراج
لما نزلت بحصن أزبر مهصر
للقرن أرواح العدا محاج
فأكرأ حمل وهو يقعي باستهفإذا يعود فراجع أدراجي
وعلمت أني إن أبيت نزالهأني من الحجاج لست بناجي
فقوله : فأكر تصوير للحالة التي لابسها. والظاهر تعقب اخضرار الأرض إنزال المطر وذلك موجود بمكة وتهامة فقط قاله عكرمة وأخذ تصبح على حقيقتها أي : تصبح، من ليلة المطر. وذهب إلى أن الاخضرار في غير مكة وتهامة يتأخر. وقال ابن عطية : وقد شاهدت هذا في السوس الأقصى نزل المطر ليلاً بعد قحط فأصبحت تلك الأرض الرملة التي قد نسفتها الرياح قد اخضرّت بنبات ضعف انتهى.
وإذا جعلنا ﴿فَتُصْبِحُ﴾ بمعنى فتصير لا يلزم أن يكون ذلك الاخضرار في وقت الصباح،
٣٨٦
وإذا كان الاخضرار متأخراً عن إنزال المطر فثم جمل محذوفة التقدير، فتهتز وتربو فتصبح يبين ذلك قوله تعالى ﴿فَإِذَآ أَنزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَآءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنابَتَتْ﴾. وقرىء ﴿مُخْضَرَّةً﴾ على وزن مفعلة ومسبعة أي ذات خضر، وخص تصبح دون سائر أوقات النهاى لأن رؤية الأشياء المحبوبة أول النهار أبهج وأسر للرائي.
﴿إِنَّ اللَّهَ لَطِيفٌ﴾ أي باستخراج النبات من الأرض بالماء الذي أنزله بما يحدث عن ذلك النبت من الحب وغيره. وقيل ﴿تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ﴾ بلطيف التدبير ﴿خَبِيرٌ﴾ بالصنع الكثير. وقيل :﴿خَبِيرٌ﴾ بمقادير مصالح عباده فيفعل على قدر ذلك من غير زيادة ولا نقصان. وقال ابن عباس ﴿لَطِيفُ﴾ بأرزاق عباده بما في قلوبهم من القنوط. وقال الكلبي ﴿اللَّهُ لَطِيفُ﴾ بأفعاله ﴿خَبِيرٌ﴾ بأعمال خلقه. وقال الزمخشري ﴿لَطِيفُ﴾ وأصل علمه أو فضله إلى كل شيء ﴿خَبِيرٌ﴾ بمصالح الخلق ومنافعهم. وقال ابن عطية : واللطيف المحكم للأمور برفق. ﴿مَّا فِى الارْضِ﴾ يشمل الحيوان والمعادن والمرافق.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠


الصفحة التالية
Icon