وقرأ الجمهور ﴿وَالْفُلْكِ﴾ بالنصب وضم اللام ابن مقسم والكسائي عن الحسن، وانتصب عطفاً على ﴿مَا﴾ ونبه عليها وإن كانت مندرجة في عموم ما تنبيهاً على غرابة تسخيرها وكثرة منافعها، وهذا هو الظاهر. وجوز أن يكون معطوفاً على الجلالة بتقدير وأن ﴿الْفُلْكِ﴾ وهو إعراب بعيد عن الفصاحة و﴿تَجْرِى﴾ حال على الإعراب الظاهر. وفي موضع الجر على الإعراب الثاني. وقرأ السلمي والأعرج وطلحة وأبو حيوة والزعفراني بضم الكاف مبتدأ وخبر، ومن أجاز العطف على موضع اسم إن أجازه هنا فيكون ﴿تَجْرِى﴾ حالاً. والظاهر أن ﴿ءَانٍ﴾ تقع في موضع نصب بدل اشتمال، أي ويمنع وقوع السماء على الأرض. وقيل هو مفعول من أجله يقدره البصريون كراهة ﴿أَن تَقَعَ﴾ والكوفيون لأن لا تقع. وقوله ﴿إِلا بِإِذْنِهِا﴾ أي يوم القيامة كأن طي السماء بعض هذه الهيئة لوقوعها، ويجوز أن يكون ذلك وعيداً لهم في أنه إن أذن في سقوطها كسفاً عليكم سقطت كما في قولهم : أو تسقط السماء كما زعمت علينا كسفاً ﴿إِلا بِإِذْنِهِا﴾ متعلق بأن تقع أي ﴿إِلا بِإِذْنِهِا﴾ فتقع. وقال ابن عطية : ويحتمل أن يعود قوله ﴿إِلا بِإِذْنِهِا﴾ على الإمساك لأن الكلام يقتضي بغير عمد ونحوه، فكأنه أراد إلاّ بإذنه فيها يمسكها انتهى. ولو كان على ما قاله ابن عطية لكان التركيب بإذنه دون أداة الاستثناء أي يكون التقدير ويمسك السماء بإذنه.
﴿وَهُوَ الَّذِى أَحْيَاكُمْ﴾ أي بعد أن كنتم جماداً تراباً ونطفة وعلقة ومضغة وهي الموتة الأولى المذكورة في قوله تعالى ﴿كَيْفَ تَكْفُرُونَ بِاللَّهِ وَكُنتُمْ أَمْوَاتًا فَأَحْيَاكُمْ﴾ و﴿الانسَانُ﴾. قال ابن عباس : هو الكافر. وقال أيضاً : هو الأسود بن عبد الأسد وأبو جهل وأبيّ بن خلف. وهذا على طريق التمثيل. ﴿لَكَفُورٌ﴾ لجحود لنعم الله، يعبد غير من أنعم عليه بهذه النعم المذكورة وبغيرها.
و﴿لِّكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنسَكًا﴾ روي أنها نزلت بسبب جدال الكفار بديل بن ورقاء وبشر بن سفيان الخزاعيين وغيرهما في الذبائح وقولهم للمؤمنين : تأكلون ما ذبحتم وهو من قتلكم، ولا تأكلون ما قتل الله فنزلت بسبب هذه المنازعة. وقال ابن عطية ﴿هُمْ نَاسِكُوهُ﴾ يعطى أن المنسك المصدر ولو كان الموضع لقال هم ناسكون فيه انتهى. ولا يتعين ما قال إذ قد يتسع في معمول اسم الفاعل كما يتسع في معمول الفعل فهو موضع اتسع فيه فأجرى مجرى المفعول به على السعة، ومن الاتساع في ظرف المكان قوله :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
ومشرب شربه رسيللا آجن الماء ولا وبيل
مشرب مكان الشرب عاد عليه الضمير، وكان أصله أشرب فيه فاتسع فيه فتعدى الفعل إلى ضميره ومن الاتساع سير بزيد فرسخان. وقرىء ﴿فَلا يُنَازِعُنَّكَ﴾ بالنون الخفيفة أي أثبت على دينك ثباتاً لا يطمعون أن يجذبوك، ومثله ﴿وَلا يَصُدُّنَّكَ عَنْ ءَايَاتِ اللَّهِ﴾ وهذا النهي لهم عن المنازعة من باب
٣٨٧
لا أرينك ههنا، والمعنى فلا بد لهم بمنازعتك فينازعوك. وقرأ أبو مجلز ﴿فَلا يُنَازِعُنَّكَ﴾ من النزع بمعنى فلا يقلعنك فيحملونك من دينك إلى أديانهم من نزعته من كذا و﴿الامْرُ﴾ هنا الدين، وما جئت به وعلى ما روي في سبب النزول يكون ﴿فِى الامْرِ﴾ بمعنى في الذبح ﴿لَعَلَى هُدًى﴾ أي إرشاد. وجاء ﴿وَلِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ بالواو وهنا ﴿لِكُلِّ أُمَّةٍ﴾ لأن تلك وقعت مع ما يدانيها ويناسبها من الآي الورادة في أمر النسائك فعطفت على أخواتها، وأما هذه فواقعة مع أباعد عن معناها فلم تجد معطفاً قاله الزمخشري.
﴿وَإِن جَادَلُوكَ﴾ آية موادعة نسختها آية السيف أي وإن أبوا للجاجهم إلاّ المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك وبينهم تنازع فادفعهم بأن الله أعلم بأعمالكم وبقبحها وبما تستحقون عليها من الجزاء، وهذا وعيد وإنذار ولكن برفق ولين ﴿اللَّه يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ﴾ خطاب من الله للمؤمنين والكافرين أي يفصل بينكم بالثواب والعقاب، ومسلاة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم بما كان يلقى منهم.
﴿أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِى السَّمَآءِ وَالارْضِا إِنَّ ذَالِكَ فِى كِتَابٍا إِنَّ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ * وَيَعْبُدُونَ﴾.


الصفحة التالية
Icon