لما تقدم ذكر الفصل بين الكفار والمؤمنين يوم القيامة أعقب تعالى أنه عالم بجميع ﴿مَا فِى السَّمَآءِ وَالارْضِ﴾ فلا تخفى عليه أعمالكم و﴿إِنَّ ذَالِكَ فِى كِتَـابٍ﴾ قيل : هو أم الكتاب الذي كتبه الله قبل خلق السموات والأرض، كتب فيه ما هو كائن إلى يوم القيامة. وقيل : الكتاب اللوح المحفوظ. والإشارة بقوله ﴿إِنَّ ذَالِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ قيل : إلى الحكم السابق، والظاهر أنه إشارة إلى حصر المخلوقات تحت علمه وإحاطته. وقال الزمخشري : ومعلوم عند العلماء بالله أنه يعلم كل ما يحدث في السموات والأرض وقد كتبه في اللوح قبل حدوثه، والإحاط بذلك وإثباته وحفظه عليه يسير لأن العالم الذات لا يتعذر عليه ولا يمتنع تعلق بمعلوم انتهى. وفي قوله لأن العالم الذات فيه دسيسة الاعتزال لأن من مذهبهم نفي الصفات فهو عالم لذاته لا يعلم عندهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
﴿وَيَعْبُدُونَ مِن دُونِ اللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِا سُلْطَـانًا﴾ أي حجة وبرهاناً سماوياً من جهة الوحي والسمع ﴿وَمَا لَيْسَ لَهُم بِهِا عِلْمٌ﴾ أي دليل عقلي ضروري أو غيره. ﴿وَمَا لِلظَّـالِمِينَ﴾ أي المجاوزين الحد في عبادة ما لا يمكن عبادته ﴿مِن نَّصِيرٍ﴾ ينصرهم فيما ذهبوا إليه أو إذا حل بهم العذاب.
﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ ءَايَـاتُنَا﴾ أي يتلوه الرسول أو غيره ﴿ءَايَـاتُنَا﴾ الواضحة في رفض آلهتهم ودعائهم إلى توحيد الله وعبادته ﴿تَعْرِفُ فِى وُجُوهِ الَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ أي الذين ستروا الحق وغطوه وهو واضح بين والمنكر مصدر بمعنى الإنكار. ونبه على موجب المنكر وهو الكفر وناب الظاهر مناب المضمر كأنه قيل : تعرف في وجوههم لكنه نبه على العلة الموجبة لظهور المنكر في وجوههم، والمنكر المساءة والتجهم والبسور والبطش الدال ذلك كله على سوء المعتقد وخبث السريرة، لأن الوجه يظهر فيه الترح والفرح اللذان محلهما القلب.
﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ﴾ أي هم دهرهم بهذه الصفة فهم يقاربون ذلك طول زمانهم، وإن كان قد وقع منهم سطو ببعض الصحابة في شاذ من الأوقات. قال ابن عباس :﴿يَسْطُونَ﴾ يبسطون إليهم. وقال محمد بن كعب : يقعون بهم. وقال الضحاك : يأخذونهم أخذاً باليد والمعنى واحد. وقرأ عيسى بن عمر يعرف مبنياً للمفعول المنكر ووقع ﴿قُلْ﴾ هل أنبئكم ﴿بِشَرٍّ مِّن ذَالِكُمُ﴾ وعيد وتقريع والإشارة إلى غيظهم على التالين وسطوهم عليهم، أو إلى
٣٨٨
ما أصابهم من الكراهة والبسور بسبب ما تلي عليهم. وقرأ الجمهور ﴿النَّارِ﴾ رفعاً على إضمارمبتدأ كأن قائلاً يقول قال : وما هو ؟ قال : النار، أي نار جهنم. وأجاز الزمخشري أن تكون ﴿النَّارِ﴾ مبتدأ و﴿وَعَدَهَا﴾ الخبر وأن يكون ﴿وَعَدَهَا﴾ حالاً على الإعراب الأول، وأن تكون جملة إخبار مستأنفة وأجيز أن تكون خبراً بعد خبر، وذلك في الإعراب الأول، وروي أنهم قالوا : محمد وأصحابه شر خلق فقال الله قل لهم يا محمد ﴿أَفَأُنَبِّئُكُم بِشَرٍّ﴾ ممن ذكرتم على زعمكم أهل النار فهم أنتم خشر خلق الله. وقرأ ابن أبي عبلة وإبراهيم بن يوسف عن الأعشى وزيد بن علي ﴿النَّارِ﴾ بالنصب. قال الزمخشري : على الاختصاص ومن أجاز في الرفع أن تكون ﴿النَّارِ﴾ مبتدأ فقياسه أن يجيز في النصب أن يكون من باب الاشتغال. وقرأ ابن أبي إسحاق وإبراهيم بن نوح عن قتيبة ﴿النَّارِ﴾ بالجر على البدل من ﴿شَرٌّ﴾ والظاهر أن الضمير في ﴿وَعَدَهَا﴾ هو المفعول الأول على أنه تعالى وعد النار بالكفار أن يطعمها إياهم، ألا ترى إلى قولها هل من مريد، ويجوز أن يكون الضمير هو المفعول الثاني ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا ﴾ هو الأول كما قال ﴿وَعَدَ اللَّهُ الْمُنَـافِقِينَ وَالْمُنَـافِقَـاتِ وَالْكُفَّارَ نَارَ جَهَنَّمَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٧٠
﴿الْمَصِيرُ * يَـا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُا إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّهِ لَن يَخْلُقُوا ذُبَابًا وَلَوِ اجْتَمَعُوا لَهُا وَإِن يَسْلُبْهُمُ﴾.
٣٨٩


الصفحة التالية
Icon