﴿وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَآاِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَـافِلِينَ * وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَآءِ مَآءَا بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّـاهُ فِى الارْضِا وَإِنَّا عَلَى ذَهَابا بِهِا لَقَـادِرُونَ * فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِا جَنَّـاتٍ مِّن نَّخِيلٍ وَأَعْنَـابٍ لَّكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِن طُورِ سَيْنَآءَ تَنابُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِّلاكِلِينَ * وَإِنَّ لَكُمْ فِى الانْعَـامِ لَعِبْرَةًا نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ * وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
لما ذكر تعالى ابتداء خلق الإنسان وانتهاء أمره ذكره بنعمه و﴿سَبْعَ طَرَآاِقَ﴾ السموات قيل لها طرائق لتطارق بعضها فوق بعض، طارق النعل جعله على نعل، وطارق بين ثوبين لبس أحدهما على الآخر قاله الخليل والفراء والزجاج كقوله ﴿طِبَاقًا﴾. وقيل : لأنها طرائق الملائكة في العروج. وقيل : لأنها طرائق في الكواكب في مسيرها. وقيل : لأن لكل سماء طريقة وهيئة غير هيئة الأخرى. قال ابن عطية : ويجوز أن تكون الطرائق بمعنى المبسوطات من طرقت الشيء.
﴿وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَـافِلِينَ﴾ نفى تعالى عنه الغفلة عن خلقه وهو ما خلقه تعالى فهو حافظ السموات من السقوط وحافظ عباده بما يصلحهم، أي هم بمرأى منا ندبرهم كما نشاء ﴿يُقَدِّرُ﴾ بتقدير منا معلوم لا يزيد ولا ينقص بحسب حاجات الخلق ومصالحهم ﴿فَأَسْكَنَّـاهُ فِى الارْضِ﴾ أي جعلنا مقره في الأرض. وعن ابن عباس : أنزل الله من الجنة خمسة أنهار جيحون وسيحون ودجلة والفرات والنيل. وفي قوله ﴿فَأَسْكَنَّـاهُ فِى الارْضِ﴾ دليل على أن مقر ما نزل من السماء هو في الأرض، فمنه الأنهار والعيون والآبار وكما أنزله تعالى بقدرته هو قادر على إذهابه. قال الزمخشري :﴿عَلَى ذَهَابا بِهِ﴾ من أوقع النكرات وأحزها للمفصل والمعنى على وجه من وجوه الذهاب به وطريق من طرقه انتهى. و﴿ذَهَاب﴾ مصدر ذهب، والباء في ﴿بِهِ﴾ للتعدية مرادفة للهمزة كقوله ﴿لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ﴾ أي لأذهب سمعهم. وفي ذلك وعيد وتهديد أي في قدرتنا إذهابه فتهلكون بالعطش أنتم ومواشيكم، وهذا أبلغ في الإيعاد من قوله ﴿قُلْ أَرَءَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَآؤُكُمْ غَوْرًا فَمَن يَأْتِيكُم بِمَآءٍ مَّعِين﴾ وقال مجاهد : ليس في الأرض ماء إلاّ وهو من السماء. قال ابن عطية : ويمكن أن يقيد هذا بالعذاب وإلاّ فالأجاج نابت في الأرض مع القحط والعذب يقل مع القحط، وأيضاً فالأحاديث تقتضي الماء الذي كان قبل خلق السموات والأرض، ولا محالة أن الله قد جعل في الأرض ماء وأنزل من السماء انتهى. وقيل : ما نزل من السماء أصله من البحر، رفعه تعالى بلطفه وحسن تقديره من البحر إلى السماء حتى طاب بذلك الرفع والتصعيد، ثم أنزله إلى الأرض لينتفع به ولو كان باقياً على حاله ما انتفع به من ملوحته.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
ولما ذكر تعالى نعمة الماء ذكر ما ينشأ عنه فقال ﴿فَأَنشَأْنَا لَكُم بِهِا جَنَّـاتٍ﴾ وخص هذه الأنواع الثلاثة من النخل والعنب والزيتون لأنها أكرم الشجر وأجمعها للمنافع، ووصف النخل والعنب بقوله ﴿لَكُمْ فِيهَا﴾ إلى آخره لأن ثمرهما جامع بين أمرين أنه فاكهة يتفكه بها، وطعام يؤكل رطباً ويابساً رطباً وعنباً وتمراً وزبيباً، والزيتون بأن دهنه صالح للاستصباح والاصطباغ جميعاً، ويحتمل أن يكون قوله ﴿وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ﴾ من قولهم : فلان يأكل من حرفة يحترفها، ومن صنعة يغتلها، ومن تجارة يتربح بها يعنون أنها طعمته وجهته التي منها يحصل رزقه. كأنه قال : وهذه الجنات وجوه أرزاقكم ومعايشكم منها ترتزقون وتتعيشون قاله الزمخشري. وقال الطبري : وذكر النخيل والأعناب لأنها ثمرة الحجاز بالطائف والمدينة وغيرهما، والضمير في ﴿وَلَكُمْ فِيهَا﴾ عائد على الجنات وهو أعم لسائر الثمرات، ويجوز أن يعود على النخيل والأعناب.
وعطف ﴿وَشَجَرَةً﴾ على جنات وهي شجرة الزيتون وهي كثيرة بالشام. وقال الجمهور ﴿سَيْنَآءَ﴾ اسم الجبل كما تقول : جبل أحد من إضافة العام إلى الخاص. وقال مجاهد : معنى مبارك. وقال قتادة : معناه الحسن والقولان عن ابن عباس. وقيل الحسن بالحبشة. وقيل : بالنبطية. وقال معمر عن فرقة : معناه ذو شجر. وقيل :﴿طُورِ سَيْنَآءَ﴾ اسم حجارة بعينها أضيف الجبل إليها لوجودها عنده قاله مجاهد أيضاً. وقرأ الحرميان وأبو عمرو والحسن بكسر السين وهي لغة
٤٠٠


الصفحة التالية
Icon