لبني كنانة. وقرأ عمر بن الخطاب وباقي السبعة بالفتح وهي لغة سائر العرب. وقرأ سيني مقصوراً وبفتح السين والأصح أن ﴿سَيْنَآءَ﴾ اسم بقعة وأنه لىس مشتقاً من السناء لاختلاف المادتين على تقدير أن يكون سيناء عربي الوضع لأن نون السناء عين الكلمة وعين سيناء ياء.
وقرأ الجمهور ﴿تُانبِتُ﴾ بفتح التاء وضم الباء والباء في ﴿بِالدُّهْنِ﴾ على هذا باء الحال أي ﴿تُانبِتُ﴾ مصحوبة ﴿بِالدُّهْنِ﴾ أي ومعها الدهن. وقرأ ابن كثير وأبو عمرو وسلام وسهل ورويس والجحدري بضم التاء وكسر الباء، فقيل ﴿بِالدُّهْنِ﴾ مفعول والباء زائدة التقدير تنبت الدهن. وقيل : المفعول محذوف أي ﴿تُانبِتُ﴾ جناها و﴿بِالدُّهْنِ﴾ في موضع الحال من المفعول المحذوف أي تنبت جناها ومعه الدهن. وقيل : أنبت لازم كنبت فتكون الباء للحال، وكان الأصمعي ينكر ذلك ويتهم من روى في بيت زهير :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
قطينا بها حتى إذا أنبت البقل
بلفظ أنبت. وقرأ الحسن والزهري وابن هرمز بضم التاء وفتح الباء مبنياً للمفعول و﴿بِالدُّهْنِ﴾ حال. وقرأ زر بن حبيش بضم التاء وكسر الباء الدهن بالنصب. وقرأ سليمان بن عبد الملك والأشهب بالدهان بالألف، وما رووا من قراءة عبد الله يخرج الدهن وقراءة أبي تثمر بالدهن محمول على التفسير لمخالفته سواد المصحف المجمع عليه، ولأن الرواية الثابتة عنهما كقراءة الجمهور والصبغ الغمس والائتدام.
وقال مقاتل : الصبغ الزيتون والدهن الزيت جعل تعالى في هذه الشجرة تأدماً ودهناً. وقال الكرماني : القياس أن يكون الصبغ غير الدهن لأن المعطوف غير المعطوف عليه. وقرأ الأعمش وصبغاً بالنصب. وقرأ عامر بن عبد الله وصباغ بالألف، فالنصب عطف على موضع ﴿بِالدُّهْنِ﴾ كان في موضع الحال أو في موضع المفعول، والصباغ كالدبغ والدباغ وفي كتاب ابن عطية. وقرأ عامر بن عبد قيس ومتاعاً ﴿لِّلاكِلِينَ﴾ كأنه يريد تفسير الصبغ.
ذكر تعالى شرف مقر هذه الشجرة وهو الجبل الذي كلم الله فيه نجيه موسى عليه السلام، ثم ذكر ما فيها من الدهن والصبغ ووصفها بالبركة في قوله ﴿مِن شَجَرَةٍ مُّبَـارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ﴾ قيل : وهي أول شجرة يثبت بعد الطوفان ﴿وَإِنَّ لَكُمْ فِى الانْعَـامِ لَعِبْرَةًا نُّسْقِيكُم مِّمَّا فِى بُطُونِهَا﴾ تقدم تفسير نظير هذه الجملة في النحل ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ﴾ من الحمل والركوب والحرث والانتفاع بجلودها وأوبارها، ونبه على غزارة فوائدها وألزامها وهو الشرب والأكل، وأدرج باقي المنافع في قوله ﴿وَلَكُمْ فِيهَا مَنَـافِعُ كَثِيرَةٌ﴾ ثم ذكر ما تكاد تختص به بعض الأنعام وهو الحمل عليها وقرنها بالفلك لأنها سفائن البر كما أن ﴿الْفُلْكِ﴾ سفائن البحر. قال ذو الرمة :
سفينة بر تحت خدي زمامها
يريد صيدح ناقته.
﴿وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا إِلَى قَوْمِهِا فَقَالَ يَـاقَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا أَفَلا تَتَّقُونَ * فَقَالَ الْمَلَؤُا الَّذِينَ كَفَرُوا مِن قَوْمِهِا مَا هَـاذَآ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ يُرِيدُ أَن يَتَفَضَّلَ عَلَيْكُمْ وَلَوْ شَآءَ اللَّهُ لانزَلَ﴾.
٤٠١
لما ذكر أولاً بدء الإنسان وتطوّره في تلك الأطوار، وما امتن به عليه مما جعله تعالى سبباً لحياتهم، وإدراك مقاصدهم، ذكر أمثالاً لكفار قريش من الأمم السابقة المنكرة لإرسال الله رسلاً المكذبة بما جاءتهم به الأنبياء عن الله، فابتدأ قصة نوح لأنه أبو البشر الثاني كما ذكر أولاً آدم في قوله ﴿مِن سُلَـالَةٍ مِّن طِينٍ﴾ ولقصته أيضاً مناسبة بما قبلها إذ قبلها ﴿وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ﴾ فذكر قصة من صنع الفلك أولاً وأنه كان سبب نجاة من آمن وهلك من لم يكن فيه الفلك من نعمة الله، كل هذه القصص يحذر بها قريشاً نقم الله ويذكرهم نعمه.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
﴿مَا لَكُم مِّنْ إِلَـاهٍ غَيْرُهُا ﴾ جملة مستأنفة منبهة على أن يفرد بالعبادة من كان منفرداً بالإلهية فكأنها تعليل لقوله ﴿اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ ﴿أَفَلا تَتَّقُونَ﴾ أي أفلا تخافون عقوبته إذا عبدتم غيره ﴿فَقَالَ الْمَلا﴾ أي كبراء الناس وعظماؤهم، وهم الذين هم أعصى الناس وأبعدهم لقبول الخير. ﴿مَا هَـاذَآ إِلا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ﴾ أي مساويكم في البشرية. فأتى تؤفكون له اختصاص بالرسالة.


الصفحة التالية
Icon