وجاء بعث كذلك في قوله ﴿وَيَوْمَ نَبْعَثُ فِى كُلِّ أُمَّةٍ﴾ ﴿وَلَوْ شِئْنَا لَبَعَثْنَا فِى كُلِّ قَرْيَةٍ نَّذِيرًا﴾ و﴿ءَانٍ﴾ في ﴿أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ﴾ يجوز أن تكون مفسرة وأن تكون مصدرية وجاء هنا ﴿وَقَالَ﴾ بالواو. وفي الأعراف وسورة هود في قصه بغير واو قصد في الواو العطف على ما قاله، أي اجتمع قوله الذي هو حق، وقولهم الذي هو باطل كأنه إخبار بتباين الحالين والتي بغير واو قصد به الاستئناف وكأنه جواب لسؤال مقدر، أي فما كان قولهم له قال قالوا كيت وكيت ﴿وَكَذَّبُوا بِلِقَآءِ الاخِرَةِ﴾ أي بلقاء الجزاء من الثواب والعقاب فيها ﴿وَأَتْرَفْنَـاهُمْ﴾ أي بسطنا لهم الآمال والأرزاق ونعمناهم، واحتملت هذه الجملة أن تكون معطوفة على صلة الذين، وكان العطف مشعراً بغلبة التكذيب والكفر، أي الحامل لهم على ذلك كوننا نعمناهم وأحسنا إليهم، وكان ينبغي أن يكون الأمر بخلاف ذلك وأن يقابلوا نعمتنا بالإيمان وتصديق من أرسلته إليهم، وأن تكون جملة حالية أي وقد أي ﴿لَّمَّا كَذَّبُوا ﴾ في هذه الحال، ويؤول هذا المعنى إلى المعنى الأول أي ﴿كَذَّبُوا ﴾ في حال الإحسان إليهم، وكان ينبغي أن لا يكفروا وأن يشكروا النعمة بالإيمان والتصديق لرسلي.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
وقوله ﴿يَأْكُلُ مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ﴾ تحقيق للبشرية وحكم بالتساوي بينه وبينهم، وأن لا
٤٠٣
مزية له عليهم، والظاهر أن ما موصولة في قوله ﴿مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ وأن العائد محذوف تقديره ﴿مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ منه لوجود شرائط الحذف، وهو اتحاد المتعلق والمتعلق كقوله : مررت بالذي مررت، وحسن هذا الحذف ورجحه كون ﴿تَشْرَبُونَ﴾ فاصلة ولدلالة منه عليه في قوله ﴿مِّمَّا تَأْكُلُونَ﴾ وفي التحرير وزعم الفراء أن معنى قوله ﴿وَيَشْرَبُ مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ على حذف أي ﴿مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ منه، وهذا لا يجوز عند البصريين ولا يحتاج إلى حذف ألبتة لأن ما إذا كانت مصدراً لم تحتج إلى عائد، فإن جعلتها بمعنى الذي حذفت المفعول ولم تحتج إلى إضمار من انتهى. يعني أنه يصير التقدير مما تشربونه، فيكون المحذوف ضميراً متصلاً وشروط جواز الحذف فيه موجودة، وهذا تخريج على قاعدة البصريين إلاّ أنه يفوت فصاحة معادلة التركيب ألا ترى أنه قال ﴿مِمَّا تَأْكُلُونَ مِنْهُ﴾ فعداه بمن التبعيضية، فالمعادلة تقتضي أن يكون التقدير ﴿مِمَّا تَشْرَبُونَ﴾ منه، فلو كان التركيب مما تأكلونه لكان تقدير تشربونه هو الراجح.
وقال الزمخشري : حذف الضمير والمعنى من مشروبكم أو حذف منه لدلالة ما قبله عليه انتهى. فقوله حذف الضمير معناه مما تشربونه وفسره بقوله مشروبكم لأن الذي تشربونه هو مشروبكم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
وقال الزمخشري ﴿إِذَا﴾ واقع في جزاء الشرط وجواب للذين قاولوهم من قومهم، أي تخسرون عقولكم وتغبنون في آبائكم انتهى. وليس ﴿إِذَا﴾ واقعاً في جزاء الشرط بل واقعاً بين ﴿إِنَّكُمْ﴾ والخبر و﴿إِنَّكُمْ﴾ والخبر ليس جزاء للشرط بل ذلك جملة جواب القسم المحذوف قبل إن الموطئة، ولو كانت ﴿إِنَّكُمْ﴾ والخبر جواباً للشرط للزمت الفاء في ﴿إِنَّكُمْ﴾ بل لو كان بالفاء في تركيب غير القرآن لم يكن ذلك التركيب جائزاً إلاّ عند الفراء، والبصريون لا يجيزونه وهو عندهم خطأ. واختلف المعربون في تخريج ﴿إِنَّكُمْ﴾ الثانية، والمقتول عن سيبويه أن ﴿إِنَّكُمْ﴾ بدل من الأولى وفيها معنى التأكيد، وخبر ﴿إِنَّكُمْ﴾ الأولى محذوف لدلالة خبر الثانية عليه تقديره ﴿إِنَّكُمْ﴾ تبعثون ﴿إِذَا مِتُّمْ﴾ وهذا الخبر المحذوف هو العامل في ﴿إِذَا﴾ وذهب الفراء والجرمي والمبرد إلى أن ﴿إِنَّكُمْ﴾ الثانية كررت للتأكيد لما طال الكلام حسن التكرار، وعلى هذا يكون ﴿مُّخْرَجُونَ﴾ خبر ﴿إِنَّكُمْ﴾ الأولى، والعامل في ﴿إِذَا﴾ هو هذا الخبر، وكان المبرد يأبى البدل لكونه من غير مستقبل إذ لم يذكر خبر أن الأولى. وذهب الأخفش إلى أن ﴿أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ﴾ مقدر بمصدر مرفوع بفعل محذوف تقديره : يحدث إخراجكم فعلى هذا التقدير يجوز أن تكون الجملة الشرطية خبراً لأنكم، ويكون جواب ﴿إِذَا﴾ ذلك الفعل المحذوف، ويجوز أن يكون ذلك الفعل المحذوف هو خبر ﴿إِنَّكُمْ﴾ ويكون عاملاً في ﴿إِذَا﴾.


الصفحة التالية
Icon