وذكر الزمخشري قول المبرد بادئاً به فقال : شيء ﴿إِنَّكُمْ﴾ للتوكيد، وحسن ذلك الفصل ما بين الأول والثاني بالظرف و﴿مُّخْرَجُونَ﴾ خبر عن الأول وهذا قول المبرد. قال الزمخشري : أو جعل ﴿أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ﴾ مبتدأ و﴿إِذَا مِتُّمْ﴾ خبراً على معنى إخراجكم إذا متم، ثم أخبر بالجملة عن ﴿إِنَّكُمْ﴾ انتهى. وهذا تخريج سهل لا تكلف فيه. قال : أو رفع ﴿أَنَّكُم مُّخْرَجُونَ﴾ بفعل هو جزاء الشراط كأنه قيل ﴿إِذَا مِتُّمْ﴾ وقع إخراجكم انتهى. وهذا قول الأخفش إلا أنه حتم أن تكون الجملة الشرطية خبراً عن ﴿إِنَّكُمْ﴾ ونحن جوزنا في قول الأخفش هذا الوجه، وأن يكون خبر ﴿إِنَّكُمْ﴾ ذلك الفعل المحذوف وهو العامل في ﴿إِذَا﴾ وفى قراءة عبد الله ﴿أَيَعِدُكُمْ﴾ ﴿إِذَا مِتُّمْ﴾ بإسقاط ﴿إِنَّكُمْ﴾ الأولى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
وقرأ الجمهور ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ﴾ بفتح التاءين وهي لغة الحجاز. وقرأ هارون عن أبي عمرو بفتحهما منونتين ونسبها ابن عطية لخالد بن إلياس. وقرأ أبو حيوة بضمهما من غير تنوين، وعنه عن الأحمر بالضم والتنوين وافقه أبو السماك في الأول وخالفه في الثاني. وقرأ أبو جعفر وشيبة بكسرهما من غير تنوين، وروي هذا عن عيسى وهي في تميم وأسد وعنه أيضاً، وعن خالد بن إلياس بكسرهما
٤٠٤
والتنوين. وقرأ خارجة بن مصعب عن أبي عمرو والأعرج وعيسى أيضاً بإسكانهما، وهذه الكلمة تلاعبت بها العرب تلاعباً كبيراً بالحذف والإبدال والتنوين وغيره، وقد ذكرنا في التكميل لشرح التسهيل ما ينيف على أربعين لغة، فالذي اختاره أنها إذا نونت وكسرت أو كسرت ولم تنون لا تكون جمعاً لهيهات، ومذهب سيبويه أنها جمع لهيهات وكان حقها عنده أن تكون ﴿هَيْهَاتَ﴾ إلاّ أن ضعفها لم يقتض إظهار الباء قال سيبويه، هي مثل بيضات يعني في أنها جمع، فظن بعض النحاة أنه أراد في اتفاق المفرد، فقال واحد : هيهات هيهة، وتحرير هذا كله مذكور في علم النحو ولا تستعمل هذه الكلمة غالباً إلاّ مكررة، وجاءت غير مكررة في قول جرير :
وهيهات خل بالعقيق نواصله وقول رؤبة :
هيهات من متحرق هيهاؤه و﴿هَيْهَاتَ﴾ اسم فعل لا يتعدى برفع الفاعل ظاهراً أو مضمراً، وهنا جاء التركيب ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ لِمَا تُوعَدُونَ﴾ لم يظهر الفاعل فوجب ن يعتقد إضمار تقديره هو أي إخراجكم، وجاءت اللام للبيان أي أعني لما توعدون كهي بعد بعد سقياً لك فتتعلق بمحذوف وبنيت المستبعد ما هو بعد اسم الفعل الدال على البعد كما جاءت في ﴿هَيْتَ لَكَ﴾ لبيان المهيت به. وقال الزجاج : البعد ﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ أو بعد ﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ وينبغي أن يجعل كلامه تفسير معنى لا تفسير إعراب لأنه لم تثبت مصدرية ﴿هَيْهَاتَ﴾ وقول الزمخشري : فمن نونه نزله منزلة المصدر ليس بواضح لأنهم قد نونوا أسماء الأفعال، ولا نقول إنها إذا نونت تنزلت منزلة المصدر. وقال ابن عطية : طوراً تلي الفاعل دون لام تقول هيهات مجيء زيد أي بعد، وأحياناً يكون الفاعل محذوفاً وذلك عند اللام كهذه الآية التقدير بعد الوجود ﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ انتهى. وهذا ليس بجيد لأن فيه حذف الفاعل، وفيه أنه مصدر حذف وأبقى معموله ولا يجيز البصريون شيئاً من هذا. وقال ابن عطية أيضاً في قراءة من ضم ونون أنه اسم معرب مستقل، وخبره ﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ أي البعد لوعدكم كما تقول : النجح لسعيك. وقال صاحب اللوامح : فأما من قال ﴿هَيْهَاتَ﴾ فرفع ونون احتمل أن يكونا اسمين متمكنين مرتفعين بالابتداء وما بعدهما خبرهما من حروف الجر بمعنى البعد ﴿لِمَا تُوعَدُونَ﴾ والتكرار للتأكيد، ويجوز أن يكونا اسمين للفعل والضم للبناء مثل حوب في زجر الإبل لكنه نون لكونه نكرة انتهى. وقرأ ابن أبي عبلة ﴿هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ﴾ ما ﴿تُوعَدُونَ﴾ بغير لام وتكون ما فاعلة بهيهات. وهي قراءة واضحة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
وقالوا ﴿إِنْ هِىَ﴾ هذا الضمير يفسره سياق الكلام لأنهم قبل أنكروا المعاد فقالوا ﴿أَيَعِدُكُمْ أَنَّكُمْ﴾ الآية فاستفهموا استفهام استبعاد وتوقيف واستهزاء، فتضمن أن لا حياة إلاّ حياتهم. وقال الزمخشري : هذا ضمير لا يعلم ما يعني به إلا بما يتلوه من بيانه، وأصله أن الحياة ﴿إِلا حَيَاتُنَا﴾ الدنيا ثم وضع ﴿هِىَ﴾ موضع الحياة لأن الخبر يدل عليها ويبنيها، ومنه هي النفس تتحمل ما حملت وهي العرب تقول : ما شاءت، والمعنى : لا حياة إلاّ هذه الحياة الدنيا لأن ﴿ءَانٍ﴾ الثانية دخلت على ﴿هِىَ﴾ التي هي في معنى الحياة الدالة على الجنس فنفتها فوازنت لا التي نفت ما بعدها نفي الجنس.


الصفحة التالية
Icon