وقرأ ابن وثاب ﴿أَنَّمَا نُمِدُّهُم﴾ بكسر الهمزة. وقرأ ابن كثير في رواية يمدهم بالياء، وما في ﴿إِنَّمَآ﴾ إما بمعنى الذي أو مصدرية أو كافة مهيئة إن كانت بمعنى الذي فصلتها ما بعدها، وخبر إن هي الجملة من قوله ﴿نُسَارِعُ لَهُمْ فِى الْخَيْرَاتِ﴾ والرابط لهذه الجملة ضمير محذوف لفهم المعنى تقديره : نسارع لهم به في الخيرات، وحسن حذفه استطالة الكلام مع أمن اللبس. وتقدم نظيره في قوله ﴿أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ﴾ وقال هشام بن معونة : الضرر الرابط هو الظاهر وهو ﴿فِى الْخَيْرَاتِ﴾ وكان المعنى ﴿نُسَارِعُ لَهُمْ﴾ فيه ثم أظهر فقال ﴿فِى الْخَيْرَاتِ﴾ فلا حذف على هذا التقدير، وهذا يتمشى على مذهب الأخفش في إجازته نحو زيد قام أبو عبد الله إذا كان أبو عبد الله كنية لزيد، فالخيرات من حيث المعنى هي الذي مدُّوا به من المال والبنين وإن كانت ما مصدرية فالمسبوك منها ومما بعدها هو مصدر اسم إن وخبر إن هو ﴿نُسَارِعُ﴾ على تقدير مسارعة فيكون الأصل أن نسارع فحذفت أن وارتفع الفعل، والتقدير أيحسبون أن إمدادنا لهم بالمال والبنين مسارعة لهم في الخيرات. وإن كانت ما كافة مهيئة فهو مذهب الكسائي فيها هنا فلا تحتاج إلى ضمير ولا حذف، ويجوز الوقف على ﴿وَبَنِينَ﴾ كما تقول حسبت إنما يقوم زيد، وحسبت أنك منطلق، وجاز ذلك لأن ما بعد حسبت قد انتظم مسنداً ومسنداً إليه من حيث المعنى، وإن كان في ما يقدر مفرداً لأنه
٤٠٩
ينسبك من أن وما بعدها مصدر.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
وقرأ السلمي وعبد الرحمن بن أبي بكرة يسارع بالياء وكسر الراء فإن كان فاعل ﴿نُسَارِعُ﴾ ضمير يعود على ما بمعنى الذي، أو على المصدر المنسبك من ما نمد فنسارع خبر لأن ولا ضمير ولا حذف أي يسارع هو أي الذي يمد ويسارع، هو أي إمدادنا. وعن ابن أبي بكرة المذكور بالياء وفتح الراء مبنياً للمفعول. وقرأ الحر النحوي نسرع بالنون مضارع أسرع ﴿بَل لا يَشْعُرُونَ﴾ إضراب عن قوله ﴿أَيَحْسَبُونَ﴾ أي بل هم أشباه البهائم لا فطنة لهم ولا شعور فيتأملوا ويتفكروا أهو استدراج أم مسارعة في الخير وفيه تهديد ووعيد.
﴿إِنَّ الَّذِينَ هُم مِّنْ خَشْيَةِ رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ * وَالَّذِينَ هُم بآيات رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ * وَالَّذِينَ هُم بِرَبِّهِمْ لا يُشْرِكُونَ * وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ * أُوالَئاِكَ يُسَـارِعُونَ فِى الْخَيْرَاتِ وَهُمْ لَهَا سَـابِقُونَ * وَلا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلا وُسْعَهَا وَلَدَيْنَا كِتَابٌ يَنطِقُ بِالْحَقِّا وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ * بَلْ قُلُوبُهُمْ فِى غَمْرَةٍ مِّنْ هذا وَلَهُمْ أَعْمَـالٌ مِّن دُونِ ذَالِكَ هُمْ لَهَا عَـامِلُونَ * حَتَّى إِذَآ أَخَذْنَا مُتْرَفِيهِم بِالْعَذَابِ إِذَا هُمْ يَجْـاَرُونَ * لا تَجْـاَرُوا الْيَوْمَا إِنَّكُم مِّنَّا لا تُنصَرُونَ * قَدْ كَانَتْ ءَايَـاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُمْ عَلَى أَعْقَـابِكُمْ تَنكِصُونَ * مُسْتَكْبِرِينَ﴾.
لما فرغ من ذكر الكفرة وتوعدهم عقب ذلك بذكر المؤمنين ووعدهم وذكرهم بأبلغ صفاتهم، والإشفاق أبلغ التوقع والخوف ومنهم من حمل الخشية على العذاب والمعنى والذين هم من عذاب ﴿رَبِّهِم مُّشْفِقُونَ﴾ وهو قول الكلبي ومقاتل و﴿مِّنْ خَشْيَةِ﴾ متعلق بمشفقون قاله الحوفي. وقال ابن عطية : و﴿مِنْ﴾ في ﴿مِّنْ خَشْيَةِ﴾ هي لبيان جنس الإشفاق، والإشفاق إنما هو من عذاب الله، والآيات تعم القرآن والعبر والمصنوعات التي لله وغير ذلك مما فيه نظر. وفي كل شيء له آية.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٣٩٢
ثم ذكر نفي الإشراك وهو عبادتهم آلهتهم التي هي الأصنام، إذ لكفار قريش أن تقول : نحن نؤمن بآيات ربنا ونصدق بأنه المخترع الخالق. وقيل : ليس المراد منه الإيمان بالتوحيد ونفي الشرك لله لأن ذلك داخل في قوله ﴿وَالَّذِينَ هُم بآيات رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ﴾ المراد نفي الشرك للحق وهو أن يخلصوا في العبادة لا يقدم عليها إلا لوجه الله وطلب رضوانه. وقرأ الجمهور ﴿يُؤْتُونَ مَآ ءَاتَوا ﴾ أي يعطون ما أعطوا من الزكاة والصدقات ﴿وَّقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ أي خائفة أن لا يقبل منهم لتقصيرهم أنهم أي وجلة لأجل رجوعهم إلى الله أي خائفة لأجل ما يتوقعون من لقاء الجزاء. قال ابن عباس وابن جبير : هو عام في جميع أعمال البر كأنه قال : والذين يفعلون من أنفسهم في طاعة الله ما بلغه جهدهم. وقرأت عائشة وابن عباس وقتادة والأعمش والحسن والنخعي يأتون ما أتوا من الإتيان أي يفعلون ما فعلوا قالت عائشة لرسول الله صلى الله عليه وسلّم : هو الذي يزني ويسرق ويشرب الخمر، وهو على ذلك
٤١٠


الصفحة التالية
Icon