أي يسبني الناس حتى كليب، فدل ما بعد حتى على الجملة المحذوفة وفي الآية دل ما قبلها عليها. وقال القشيري : احتج تعالى عليهم وذكرهم قدرته ثم قال : مصرون على الإنكار ﴿حَتَّى إِذَا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ﴾ تيقن ضلالته وعاين الملائكة ندم ولا ينفعه الندم انتهى. وجمع الضمير في ﴿ارْجِعُونِ﴾ إما مخاطبة له تعالى مخاطبة الجمع تعظيماً كما أخبر عن نفسه بنون الجماعة في غير موضع. وقال الشاعر :
فإن شئت حرمت النساء سواكم
وقال آخر
ألا فارحموني يا إله محمد
وإما استغاث أولاً بربه وخاطب ملائكة العذاب وقاله ابن جريج. والظاهر أن الضمير في ﴿أَحَدِهِمْ﴾ راجع إلى الكفار، ومساق الآيات إلى آخرها يدل على ذلك. وقال ابن عباس : من لم يزك ولم يحج سأل الرجعة. فقيل له ذلك للكفار فقرأ مستدلاً لقوله ﴿وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَـاهُمْ﴾ آية سورة المنافقين. وقال الأوزاعي : هو مانع الزكاة، وجاء الموت أي حضر وعاينه الإنسان فحينئذ يسأل الرجعة إلى الدنيا وفي الحديث :"إذا عاين المؤمن الموت قالت له الملائكة : نرجعك فيقول إلى دار الهموم والأحران بل قدما إلى الله، وأما الكافر فيقول :"ارجعون لعلي أعمل صالحاً".
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦
ومعنى ﴿فِيمَا تَرَكْتُ﴾ في الإيمان الذي تركته والمعنى لعلي آتى بما تركته من الإيمان وأعمل فيه صالحاً كما تقول : لعلي أبني على أس، يريد أؤس أساً وأبني عليه. وقيل :﴿فِيمَا تَرَكْتُ﴾ من المال على ما فسره ابن عباس :﴿كَلا ﴾ كلمة ردع عن طلب الرجعة وإنكار واستبعاد. فقيل : هي من قول الله لهم. وقيل : من قول من عاين الموت يقول ذلك لنفسه على سبيل التحسر والندم، ومعنى ﴿هُوَ قَآاِلُهَا ﴾ لا يسكت عنها ولا ينزع لاستيلاء الحسرة عليه، أو لا يجد لها جدوى ولا يجاب لما سأل ولا يغاث ﴿وَمِن وَرَآاِهِم﴾ أي الكفار ﴿بَرْزَخٌ﴾ حاجز بينهم وبين الرجعة إلى وقت البعث. وفي هذه الجملة اقناط كلي أن لا رجوع إلى الدنيا، وإنما الرجوع إلى الآخرة استعير البرزخ للمدة التي بين موت الإنسان وبعثه.
وقرأ ابن عباس والحسن وابن عياض ﴿فِى الصُّورِ﴾ بفتح الواو جمع صورة، وأبو رزين بكسر الصاد وفتح الواو، وكذا فأحسن صوركم وجمع فعلة بضم الفاء على فعل بكسر الفاء شاذ. ﴿فَلا أَنسَابَ﴾ نفي عام، فقال ابن عباس : عند النفخة الأولى يموت الناس فلا يكون بينهم نسب في ذلك الوقت وهم أموات، وهذا القول يزبل هول الحشر. وقال ابن مسعود وغيره : عند قيام الناس من القبور فلهول المطلع اشتغل كل امرىء بنفسه فانقطعت الوسائل وارتفع التفاخر والتعاون بالأنساب. وعن قتادة : ليس أحد أبغض إلى الإنسان في ذلك اليوم ممن يعرف لأنه يخاف أن يكون له عنده مظلمة، وفي ذلك اليوم يفر المرء من أخيه وأمه وأبيه وصاحبته وبنيه. وقيل :﴿فَلا أَنسَابَ﴾ أي لا تواصل بينهم حين افتراقهم إلى ما أعدّ لهم من ثواب وعقاب، وإنما التواصل بالأعمال.
وقرأ عبد الله ولا يساءلون بتشديد السين أدغم التاء في السين إذ أصله ﴿يَتَسَآءَلُونَ﴾ ولا تعارض بين انتفاء التساؤل هنا وبين إثباته في قوله ﴿وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَآءَلُونَ﴾ لأن يوم القيامة مواطن ومواقف، ويمكن أن يكون انتفاء التساؤل عند النفخة الأولى، وأما في الثانية فيقع التساؤل.
وتقدم الكلام في الموازين وثقلها وخفتها في أوائل الأعراف. وقال الزمخشري ؛ ﴿فِى جَهَنَّمَ خَـالِدُونَ﴾ بدل من خسروا أنفسهم ولا محل للبدل والمبدل منه لأن الصلة لا محل لها أو خبر بعد خبر لأولئك أو خبر مبتدأ محذوف انتهى. جعل ﴿فِى جَهَنَّمَ﴾ بدلاً ﴿الَّذِينَ خَسِرُوا ﴾ وهذا بدل غريب، وحقيقته أن
٤٢١
يكون البدل الفعل الذي يتعلق به ﴿فِى جَهَنَّمَ﴾ أي استقروا في جهنم، وكأنه من بدل الشيء من الشيء وهما لمسمى واحد على سبيل المجاز لأن من خسر نفسه استقر في جهنم. وأجاز أبو البقاء أن يكون ﴿الَّذِينَ﴾ نعتاً لأولئك، وخبر ﴿أُوالَئاِكَ﴾ ﴿فِى جَهَنَّمَ﴾ والظاهر أن يكون خبراً لأولئك لا نعتاً.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦
وخص الوجه باللفح لأنه أشرف ما في الإنسان، والإنسان أحفظ له من الآفات من غيره من الأعضاء، فإذا لفح الأشرف فما دونه ملفوح. ولما ذكر إصابة النار للوجه ذكر الكلوح المختص ببعض أعضاء الوجه وفي الترمذي تتقلص شفته العليا حتى تبلغ وسط رأسه، وتسترخي شفته السفلى حتى تضرب سرته قال هذا حديث حسن صحيح. وقرأ أبو حيوة وأبو بحرية وابن أبي عبلة كلحون بغير ألف.


الصفحة التالية
Icon