﴿أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـاتِى تُتْلَى عَلَيْكُمْ فَكُنتُم بِهَا تُكَذِّبُونَ * قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ * رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَـالِمُونَ * قَالَ اخْسَـاُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ * إِنَّه كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ * فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ * إِنِّى جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِمَا صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفَآاِزُونَ * قَـالَ كَمْ لَبِثْتُمْ فِى الارْضِ عَدَدَ سِنِينَ * قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ فَسْـاَلِ الْعَآدِّينَ * قَـالَ إِن لَّبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا لَّوْ أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَـاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ * فَتَعَـالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّا لا إله إِلا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ * وَمَن يَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَـاهًا ءَاخَرَ لا بُرْهَـانَ لَه بِهِا فَإِنَّمَا حِسَابُه عِندَ رَبِّهِا إِنَّه لا يُفْلِحُ الْكَـافِرُونَ﴾.
يقول الله لهم على لسان من يشاء من ملائكته ﴿أَلَمْ تَكُنْ ءَايَـاتِى﴾ وهي القرآن، ولما سمعوا هذا التقرير أذعنوا وأقروا على أنفسهم بقولهم ﴿غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا﴾ من قولهم : غلبني فلان على كذا إذا أخذه منك وامتلكه، والشقاوة سوء العاقبة. وقيل : الشقوة الهوى وقضاء اللذات لأن ذلك يؤدي إلى الشقوة. أطلق اسم المسبب على السبب قاله الجبائي. وقيل : ما كتب علينا في اللوح المحفوظ وسبق به علمك. وقرأ عبد الله والحسن وقتادة وحمزة والكسائي والمفضل عن عاصم وأبان والزعفراني وابن مقسم : شقاوتنا بوزن السعادة وهي لغة فاشية، وقتادة أيضاً والحسن
٤٢٢
في رواية خالد بن حوشب عنه كذلك إلاّ أنه بكسر الشين، وباقي السبعة والجمهور بكسر الشين وسكون القاف وهي لغة كثيرة في الحجاز. قال الفراء : أنشدني أبو ثروان وكان فصيحاً :
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦
علق من عنائه وشقوتهبنت ثماني عشرة من حجته
وقرأ شبل في اختياره بفتح الشين وسكون القاف. ﴿وَكُنَّا قَوْمًا ضَآلِّينَ﴾ أي عن الهدى، ثم تدرجوا من الإقرار إلى الرغبة والتضرع وذلك أنهم أقروا والإقرار بالذنب اعتذار، فقالوا ﴿رَبَّنَآ أَخْرِجْنَا مِنْهَا﴾ أي من جهنم ﴿فَإِنْ عُدْنَا﴾ أي إلى التكذيب واتخاذ آلهة وعبادة غيرك ﴿فَإِنَّا ظَـالِمُونَ﴾ أي متجاوز والحد في العدوان حيث ظلمنا أنفسنا أولاً ثم سومحنا فظلمنا ثانياً. وحكى الطبري حديثاً طويلاً في مقاولة تكوين بين الكفار وبين مالك خازن النار، ثم بينهم وبين ربهم جل وعز وآخرها ﴿قَالَ اخْسَـاُوا فِيهَا وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ قال وتنطبق عليهم جهنم ويقع اليأس ويبقون ينبح بعضهم في وجه بعض. قال ابن عطية : واختصرت ذلك الحديث لعدم صحته، لكن معناه صحيح ومعنى أي ذلوا فيها وانزجروا كما تنزجر الكلاب إذا ازجرت، يقال : خسأت الكلب وخسأ هو بنفسه يكون متعدياً ولازماً. و﴿وَلا تُكَلِّمُونِ﴾ أي في رفع العذاب أو تخفيفه. قيل : هو آخر كلام يتكلمون به ثم لا كلام بعد ذلك إلاّ الشهيق والزفير والعواء كعواء الكلاب لا يفهمون.
﴿إِنَّه كَانَ فَرِيقٌ مِّنْ عِبَادِى يَقُولُونَ رَبَّنَآ ءَامَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا وَارْحَمْنَا وَأَنتَ خَيْرُ الرَّاحِمِينَ﴾. قرأ أبيّ وهارون العتكي ﴿إِنَّهُ﴾ بفتح الهمزة أي لأنه، والجمهور بكسرها والهاء ضمير الشأن وهو محذوف مع أن المفتوحة الهمزة والفريق هنا هم المستضعفون من المؤمنين، وهذه الآية مما يقال للكفار على جهة التوبيخ، ونزلت في كفار قريش مع صهيب وعمار وبلال ونظرائهم، ثم هي عامة فيمن جرى مجراهم قديماً وبقية الدهر. وقرأ حمزة والكسائي ونافع ﴿سِخْرِيًّا﴾ بضم السين وباقي السبعة بالكسر. قال الزمخشري : مصدر سخر كالسخر إلاّ أن في ياء النسب زيادة قوة في الفعل، كما قيل : الخصوصية في الخصوص وهما بمعنى الهزء في قول الخليل وأبي زيد الأنصاري وسيبويه. وقال أبو عبيدة والكسائي والفراء : ضم السين من السخرة والاستخدام والكسر من السخر وهو الاستهزاء. ومنه قول الأعشى :
إني أتاني حديث لا أسرّ بهمن علو لا كذب فيه ولا سخر
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦
وقال يونس : إذا أريد التخديم فضم السين لا غير، وإذا أريد الهزء فالضم والكسر. قال ابن عطية.


الصفحة التالية
Icon