وقرأ أصحاب عبد الله وابن أبي إسحاق والأعرج بضم السين كل ما في القرآن. وقرأ الحسن وأبو عمرو بالكسر إلاّ التي في الزخرف فإنهما ضما السين كما فعل الناس انتهى. وكان قد قال عن أبي عليّ يعني الفارسي أن قراءة كسر السين أوجه لأنه بمعنى الاستهزاء، والكسر فيه أكثر وهو أليق بالآية ألا ترى قوله ﴿وَكُنتُم مِّنْهُمْ تَضْحَكُونَ﴾ انتهى قول أبي عليّ ثم قال ابن عطية : ألا ترى إلى إجماع القراء على ضم السين في قوله ﴿لِّيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضًا سُخْرِيًّا ﴾ لما تخلص الأمر للتخديم انتهى. وليس ما ذكره من إجماع القراء على ضم السين في الزخرف صحيحاً لأن ابن محيصن وابن مسلم كسرا في الزخرف، ذكر ذلك أبو القاسم بن جبارة الهذلي في كتاب الكامل.
﴿فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا﴾ أي هزأة تهزوؤن منهم ﴿حَتَّى أَنسَوْكُمْ ذِكْرِى﴾ أي بتشاغلكم بهم فتركتم ذكري أي أن تذكروني فتخافوني في أوليائي، وأسند النسيان إلى فريق المؤمنين من حيث كان سببه.
وقرأ زيد بن عليّ وحمزة والكسائي وخارجة عن نافع ﴿إِنَّهُمْ هُمُ﴾ بكسر الهمزة وباقي السبعة بالفتح، ومفعول ﴿جَزَيْتُهُمُ﴾ الثاني محذوف تقديره الجنة أو رضواني. وقال الزمخشري : في قراءة من قرأ ﴿أَنَّهُمْ﴾ بالفتح هو المفعول الثاني أي ﴿جَزَيْتُهُمُ﴾
٤٢٣
فوزهم انتهى. والظاهر أنه تعليل أي ﴿جَزَيْتُهُمُ﴾ لأنهم، والكسر هو على الاستئناف وقد يراد به التعليل فيكون الكسر مثل الفتح من حيث المعنى لا من حيث الإعراب لا ضطرار المفتوحة إلى عامل. و﴿الْفَآاِزُونَ﴾ الناجون من هلكة إلى نعمة.
وقرأ حمزة والكسائي وابن كثير ﴿قَالَ كَمْ﴾ والمخاطب ملك يسألهم أو بعض أهل النار، فلذا قال عبر عن القوم. وقرأ باقي السبعة قال. والقائل الله تعالى أو المأمور بسؤالهم من الملائكة. وقال الزمخشري : قال في مصاحف أهل الكوفة و﴿قُلْ﴾ في مصاحف أهل الحرمين والبصرة والشام. وقال ابن عطية : وفي المصاحف قال فيهما إلاّ في مصحف الكوفة فإن فيه ﴿قُلْ﴾ بغير ألف، وتقدم إدغام باب لبثت في البقرة سألهم سؤال توقيف على المدة. وقرأ الجمهور ﴿عَدَدَ سِنِينَ﴾ على الإضافة و﴿كَمْ﴾ في موضع نصب على ظرف الزمان وتمييزها عدد. وقرأ الأعمش والمفضل عن عاصم عدداً بالتنوين. فقال أبو الفضل الرازي صاحب كتاب اللوامح ﴿سِنِينَ﴾ نصب على الظرف والعدد مصدر أقيم مقام الأسم فهو نعت مقدم على المنعوت، ويجوز أن يكون معنى ﴿لَّبِثْتُمْ﴾ عددتم فيكون نصب عدداً على المصدر و﴿سِنِينَ﴾ بدل منه انتهى. وكون ﴿لَّبِثْتُمْ﴾ بمعنى عددتم بعيد.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦
ولما سئلوا عن المدة التي أقاموا فيها في الأرض ويعني في الحياة الدنيا قاله الطبري وتبعه الزمخشري فنسوا الفرط هول العذاب حتى قالوا ﴿يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ أجابوا بقولهم ﴿لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ﴾ ترددوا فيما لبثوا قاله ابن عباس. وقيل : أريد بقوله ﴿فِى الارْضِ﴾ في جوف التراب أمواتاً وهذا قول جمهور المتأولين. قال ابن عطية : وهذا هو الأصوب من حيث أنكروا البعث، وكانوا قولهم أنهم لا يقومون من التراب قيل لهم لما قاموا ﴿كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ وقوله آخراً ﴿وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ﴾ يقتضي ما قلناه انتهى.
﴿قَالُوا لَبِثْنَا﴾ خطاب للذي سألهم. قال مجاهد :﴿الْعَآدِّينَ﴾ الملائكة أي هم الذين يحفظون أعمال بني آدم ويحصون عليهم ساعاتهم. وقال قتادة : أهل الحساب، والظاهر أنهم من يتصف بهذه الصفة ملائكة أو غيرهم لأن النائم والميت لا يعد فيتقدر له الزمان. وقال الزمخشري : والمعنى لا نعرف من عدد تلك السنين إلاّ أنا نستقله ونحسبه يوماً أو بعض يوم لما نحن فيه من العذاب، وما فينا أن يعدكم بفي فسئل من فيه أن يعد ومن يقدر أن يلقي إليه فكره انتهى. وقرأ الحسن والكسائي في رواية ﴿الْعَآدِّينَ﴾ بتخفيف الدال أي الظلمة فإنهم يقولون كما تقول. قال ابن خالويه : ولغة أخرى العاديين يعني بياء مشددة جمع عادي يعني للقدماء. وقال الزمخشري : وقرىء العاديين أي القدماء المعمرين فإنهم يستقصرونها فيكف بمن دونهم.
وقرأ الأخوان ﴿قَالَ كَمْ لَبِثْتُمْ﴾ على الأمر، وباقي السبعة و﴿ءَانٍ﴾ نافية أي ما ﴿لَّبِثْتُمْ إِلا قَلِيلا﴾ أي قريب ولكنكم كذبتم به إذ كنتم لا تعلمون أي لم ترغبوا في العلم والهدى وانتصب ﴿عَبَثًا﴾ على الحال أي عابثين أو على أنه مفعول من أجله، والمعنى في هذا ما خلقناكم للعبث، وإنما خلقناكم للتكليف والعبادة. وقرأ الأخوان ﴿لا تُرْجَعُونَ﴾ مبنياً للفاعل، وباقي السبعة مبنياً للمفعول، والظاهر عطف ﴿وَإِنَّكُمْ﴾ على ﴿إِنَّمَآ﴾ فهو داخل في الحسبان.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦
وقال الزمخشري : يجوز أن يكون على ﴿عَبَثًا﴾ أي للعبث ولترككم غير مرجوعين انتهى.
﴿فَتَعَالَى اللَّهُ﴾ أي تعاظم وتنزه عن الصاحبة والولد والشريك والعبث وجميع النقائص، بل هو ﴿الْمَلِكُ الْحَقُّ﴾ الثابت هو وصفاته العلي و﴿الْكَرِيمِ﴾ صفة للعرش لتنزل الخيرات منه أو لنسبته إلى أكرم الأكرمين. وقرأ أبان بن تغلب وابن محيصن وأبو جعفر وإسماعيل عن ابن كثير ﴿الْكَرِيمِ﴾ بالرفع صفة لرب العرش أو ﴿الْعَرْشِ﴾، ويكون معطوفاً على معنى المدح.
و﴿مِنْ﴾ شرطية والجواب ﴿فَإِنَّمَا﴾ و﴿لا بُرْهَانَ لَه بِهِ﴾ صفة لازمة لا للاحتراز من أن يكون ثم آخر يقوم عليه
٤٢٤
برهان فهي مؤكدة كقوله ﴿يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ﴾ ويجوز أن تكون جملة اعتراض إذ فيها تشديد وتأكيد فتكون لا موضع لها من الإعراب كقولك : من أساء إليك لا أحق بالإساءة منه، فأسيء إليه. ومن ذهب إلى أن جواب الشرط هو ﴿لا بُرْهَانَ لَه بِهِ﴾ هروباً من دليل الخطاب من أن يكون ثم داع له برهان فلا يصح لأنه يلزم منه حذف الفاء في جواب الشرط، ولا يجوز إلاّ في الشعر وقد خرجناه على الصفة اللازمة أو على الاعتراض وكلاهما تخريج صحيح. وقرأ الحسن وقتادة (انه) لايفلح بفتح الهمزة، أي هو فوضع الكافرون موضع الضمير حملا على معنى من والجمهور بكسر الهمزة وخبر(حسابه) الظرف أنه استئناف وقرأ الحسن يفلح بفتح الفاء واللام وافتتح السورة بقوله﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وأورد في خاتماتها إنه لا يفلح الكافرون فانظر تفاوت بين الإفتتاح والاختتام، ثم امر رسول الله صلى الله عليه وسلّم بان يدعوا بالغفران والرحمة وقرأابن محيص وقرأ الحسن وقتادة ﴿إِنَّهُ لا يُفْلِحُ﴾ بفتح الهمزة أي هو فوضع ﴿الْكَافِرُونَ﴾ موضع الضمير حملاً على معنى من، والجمهور بكسر الهمزة وخبر ﴿حِسَابُهُ﴾ الظرف و﴿إِنَّهُ﴾ استئناف. وقرأ الحسن ﴿يُفْلِحُ﴾ بفتح الفاء واللام، وافتتح السورة بقوله ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ﴾ وأورد في خاتمتها ﴿إِنَّه لا يُفْلِحُ الْكَافِرُونَ﴾ فانظر تفاوت ما بين الافتتاح والاختتام. ثم أمر رسوله عليه السلام بأن يدعو بالغفران والرحمة. وقرأ ابن محيصن ﴿رَبِّ﴾ بضم الباء.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤١٦


الصفحة التالية
Icon