وقال الزمخشري : والمعنى أن الواجب على المؤمنين أن يتصلبوا في دين الله ويستعملوا الجد والمتانة فيه، ولا يأخذهم اللين والهوادة في استبقاء حدوده انتهى. فهذا تحسين قول أبي مجلز ومن وافقه. وقال الزهري : يشدّد في الزنا والفرية ويخفف في حد الشرب.
وقال مجاهد والشعبي وابن زيد : في الكلام حذف تقديره ﴿وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ فتعطلوا الحدود ولا تقيموها. والنهي في الظاهر للرأفة والمراد ما تدعو إليه الرأفة وهو تعطيل الحدود أو نقصها ومعنى ﴿فِى دِينِ اللَّهِ﴾ في الإخلال بدين الله أي بشرعه. قيل : ويحتمل أن يكون الدين بمعنى الحكم ﴿إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الاخِرِ﴾ تثبيت وحض وتهييج للغضب لله ولدينه، كما تقول : إن كنت رجلاً فافعل، وأمر تعالى بحضور جلدهما طائفة إغلاظاً على الزناة وتوبيخاً لهم بحضرة الناس، وسمى الجلد عذاباً إذ فيه إيلام وافتضاح وهو عقوبة على ذلك الفعل، والطائفة المأمور بشهودها ذلك يدل الاشتقاق على ما يكون يطوف بالشيء وأقل ما يتصور ذلك فيه ثلاثة وهي صفة غالبة لأنها الجماعة الحافة بالشيء. وعن ابن عباس وابن زيد في تفسيرها أربعة إلى أربعين. وعن الحسن : عشرة. وعن قتادة والزهري : ثلاثة فصاعداً. وعن عكرمة وعطاء : رجلان فصاعداً وهو مشهور قول مالك. وعن مجاهد : الواحد فما فوقه واستعمال الضمير الذي للجمع عائداً على الطائفة في كلام العرب دليل على أنه يراد بها الجمع وذلك كثير في القرآن.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥
﴿الزَّانِى لا يَنكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً﴾ الظاهر أنه خبر قصد به تشنيع الزنا وأمره، ومعنى ﴿لا يَنكِحُ﴾ لا يطأ وزاد في التقسيم، فالمعنى أن الزاني في وقت زناه لا يجامع إلاّ زانية من المسلمين أو أخس منها وهي المشركة، والنكاح بمعنى الجماع مروي عن ابن عباس هنا. وقال الزمخشري : وقيل المراد بالنكاح الوطء وليس بقول لأمرين. أحدهما : أن هذه الكلمة أينما وردت في القرآن لم يرد بها إلاّ معنى العقد. والثاني : فساد المعنى وأداؤه إلى قولك الزاني لا يزني إلاّ بزانية، والزانية لا تزني إلا بزان انتهى. وما ذكره من الأمر الأول أخذه من الزجاج قال : لا يعرف النكاح في كتاب الله إلا بمعنى التزويج وليس كما قال، وفي القرآن حتى تنكح زوجاً غيره، وبيِّن الرسول صلى الله عليه وسلّم أنه بمعنى الوطء. وأما الأمر الثاني فالمقصود به تشنيع الزنا وتشنيع أمره وأنه محرم على المؤمنين. وقال الزمخشري : وأخذه من الضحاك وحسنه الفاسق الخبيث الذي من شأنه الزنا، والخبث لا يرغب في نكاح الصوالح من النساء اللاتي على خلاف صفته، وإنما يرغب في فاسقه خبيثة
٤٢٩
من شكله، أو في مشركة. والفاسقة الخبيثة المسافحة كذلك لا يرغب في نكاحها الصلحاء من الرجال وينفرون عنها، وإنما يرغب فيها من هو من شكلها من الفسقة والمشركين، ونكاح المؤمن الممدوح عند الله الزانية ورغبته فيها وانخراطه بذلك في سلك الفسقة المتسمين بالزنا محرم محظور لما فيه من التشبه بالفساق، وحضور. موقع التهمة والتسبب لسوء القالة فيه والغيبة وأنواع المفاسد ومجالسة الخطائين، كم فيها من التعرض لاقتراف الآثام فكيف بمزاوجة الزواني والقحاب وإقدامه على ذلك انتهى.
وعن ابن عمر وابن عباس وأصحابه أنها في قوم مخصوصين كانوا يزنون في جاهليتهم ببغايا مشهورات، فلما جاء الإسلام وأسلموا لم يمكنهم الزنا فأرادوا لفقرهم زواج أولئك النسوة إذ كن من عادتهن الإنفاق على من ارتسم بزواجهن، فنزلت الآية بسببهن والإشارة بالزاني إلى أحد أولئك أطلق عليه اسم الزنا الذي كان في الجاهلية وقوله ﴿الزَّانِى لا يَنكِحُ﴾ أي لا يتزوج، وعلى هذين التأويلين فيه معنى التفجع عليهم وفيه توبيخ كأنه يقول : الزاني لا يريد أن يتزوج إلا زانية أو مشركة، أي تنزع نفوسهم إلى هذه الخسائس لقلة انضباطهم، ويرد على هذين التأويلين الإجماع على أن الزانية لا يجوز أن يتزوجها مشرك في قومه ﴿وَحُرِّمَ ذَالِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ﴾. أي نكاح أولئك البغايا، فيزعم أهل هذين التأويلين أن نكاحهن حرمه الله على أمّة محمد صلى الله عليه وسلّم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥


الصفحة التالية
Icon