ولما ذكر تعالى قذف المحصنات وكان الظاهر أنه يتناول الأزواج وغيرهن ولذلك قال سعد بن عبادة : يا رسول الله إن وجدت مع امرأتي رجلاً أمهله حتي آتي بأربعة شهداء والله لأضربنه بالسيف غير مصفح، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلّم عزم على حد هلال بن أمية حين رمى زوجته بشريك بن سحماء فنزلت ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ أَزْوَاجَهُمْ﴾ واتضح أن المراد بقوله ﴿وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَـاتِ﴾ غير الزوجات، والمشهور أن نازلة هلال قبل نازلة عويمر. وقيل : نازلة عويمر قبل، والمعنى بالزنا ولم يكن لهم شهداء ولم يقيد بعدد اكتفاء بالتقييد في قذف غير الزوجات، والمعنى ﴿شُهَدَآءَ﴾ على صدق قولهم. وقرىء ولم تكن بالتاء. وقرأ الجمهور بالياء وهو الفصيح لأنه إذا كان العامل مفرغاً لما بعد إلاّ وهو مؤنث فالفصيح أن يقول ما قام إلاّ هند، وأماما قامت إلاّ هند فأكثر أصحابنا يخصه بالضرورة، وبعض النحويين يجيزه في الكلام على قلة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥
و﴿أَزْوَاجِهِمْ﴾ يعم سائر الأزواج من المؤمنات والكافرات والإماء، فكلهن يلاعن الزوج للانتفاء من العمل. وقال أبو حنيفة وأصحابه : بأحد معنيين أحدهما : أن تكون الزوجة ممن لا يجب على قاذفها الحد وإن كان أجنبياً، نحو أن تكون الزوجة مملوكة أو ذمية وقد وطئت وطأ حر إما في غير ملك. والثاني : أن يكون أحدهما ليس من أهل الشهادة بأن يكون محدوداً في قذف أو كافراً أو عبداً، فأمّا إذا كان أعمى أو فاسقاً فله أن يلاعن. وقال الثوري والحسن بن صالح : لا لعان إذا كان أحد الزوجين مملوكاً أو كافراً، ويلاعن المحدود في القذف. وقال الأوزاعي : لالعان بين أهل الكتاب ولا بين المحدود في القذف وامرأته. وقال الليث : يلاعن العبد امرأته الحرة والمحدود في القذف. وعن مالك : الأمة المسلمة والحرة الكتابية يلاعن الحر المسلم والعبد يلاعن زوجته الكتابية، وعنه : ليس بين المسلم والكافرة لعان إلاّ لمن يقول رأيتها تزني فيلاعن ظهر الحمل أو لم يظهر، ولا يلاعن المسلم الكافرة ولا زوجته الأمة إلاّ في نفي الحمل ويتلاعن عن المملوكان المسلمان لا الكافران. وقال الشافعي
٤٣٣
كل زوج جاز طلاقه ولزمه الفرض يلاعن، والظاهر العموم في الرامين وزوجاتهم المرميات بالزنا، والظاهر إطلاق الرمي بالزنا سواء قال : عاينتها تزني أم قال زنيت وهو قول أبي حنيفة وأصحابه، وكان مالك لا يلاعن عن إلاّ أن يقول : رأيتك تزنين أو ينفي حملاً بها أو ولد منها والأعمى يلاعن. وقال الليث : لا يلاعن إلاّ أن يقول : رأيت عليها رجلاً أو يكون استبرأها، فيقول : ليس هذا الحمل مني ولم تتعرض الآية في اللعان إلاّ لكيفيته من الزوجين. وقد أطال المفسرون الزمخشري وابن عطية وغيرهما في ذكر كثير من أحكام اللعان مما لم تتعرض له الآية وينظر ذلك في كتب الفقه.
وقرأ الجمهور ﴿أَرْبَعُ شَهَـادَات﴾ بالنصب على المصدر. وارتفع ﴿فَشَهَـادَةُ﴾ خبراً على إضمار مبتدأ، أي فالحكم أو الواجب أو مبتدأ على إضمار الخبر متقدماً أي فعليه أن يشهد أو مؤخراً أي كافيه أو واجبه. و﴿بِاللَّهِ﴾ من صلة ﴿شَهَـادَات﴾ ويجوز أن يكون من صلة ﴿فَشَهَـادَةُ﴾ قاله ابن عطية، وفرغ الحوفي ذلك على الأعمال، فعلى رأي البصريين واختيارهم يتعلق بشهادات، وعلى اختيار الكوفيين يتعلق بقوله ﴿فَشَهَـادَةُ﴾. وقرأ الأخوان وحفص والحسن وقتادة والزعفراني وابن مقسم وأبو حيوة وابن أبي عبلة وأبو بحرية وأبان وابن سعدان ﴿أَرْبَعُ﴾ بالرفع خبر للمبتدإ، وهو ﴿فَشَهَـادَةُ﴾ و﴿بِاللَّهِ﴾ من صلة ﴿شَهَـادَات﴾ على هذه القراءة، ولا يجوز أن يتعلق بفشهادة للفصل بين المصدر ومعموله بالجر ولا يجوز ذلك.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٢٥


الصفحة التالية
Icon