الأعصار من وجود ﴿الايَـامَى ﴾ ولم ينكر ذلك ولا أمر الأولياء بالنكاح.
وقال الزمخشري :﴿الايَـامَى ﴾ واليتامى أصلهما أيائم ويتائم فقلبا انتهى. وفي التحرير قال أبو عمر : وأيامى مقلوب أيائم، وغيره من النحويين ذكر أن أيماً ويتيماً جمعاً على أيامي ويتامى شذوذاً يحفظ ووزنه فعالى، وهو ظاهر كلام سيبويه. قال سيبويه في أواخر هذا باب تكسير ما كان من الصفات. وقالوا : وج ووجياً كما قالوا : زمن وزمنى فأجروه على المعنى كما قالوا : يتيم ويتامى وأيم وأيامى فأجروه مجرى رجاعي انتهى. وتقدم في المفردات الأيم من لا زوج له من ذكر أو أنثى. وفي شرح كتاب سيبويه لأبي بكر الخفاف : الأيم التي لا زوج لها، وأصله في التي كانت متزوجة ففقدت زوجها برزءٍ طرأ عليها فهو من البلايا، ثم قبل في البكر مجازاً لأنها لا زوج لها انتهى.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٠
﴿مِّنكُمْ﴾ خطاب للمؤمنين، أمر تعالى بإنكاح من تأيم من الأحرار والحرائر ومن فيه صلاح من العبيد والإماء، واندرج المؤنث في المذكر في قوله ﴿وَالصَّـالِحِينَ﴾ وخص الصالحين ليحصن لهم دينهم ويحفظ عليهم صلاحهم، ولأن ﴿الصَّـالِحِينَ﴾ من الأرقاء هم الذين يشفق مواليهم عليهم وينزلونهم منزلة الأولاد في الأثرة والمودة، فكانوا مظنة للاهتمام بشأنهم وتقبل الوصية فيهم، والمفسدون منهم حالهم عند مواليهم على عكس ذلك. وقيل : معنى ﴿وَالصَّـالِحِينَ﴾ أي للنكاح والقيام بحقوقه. وقرأ مجاهد والحسن من عبيدكم بالياء مكان الألف وفتح العين وأكثر استعماله في المماليك.
و ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِا﴾ هذا مشروط بالمشيئة المذكورة في قوله :﴿وَإِنْ خِفْتُمْ عَيْلَةً فَسَوْفَ يُغْنِيكُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِا إِن شَآءَ﴾. ﴿وَاللَّهُ وَاسِعٌ﴾ أي ذو غنى وسعة، يبسط الله لمن يشاء ﴿عَلَيْهِم﴾ بحاجات الناس، فيجري عليهم ما قدر من الرزق. ﴿وَلْيَسْتَعْفِفِ﴾ أي ليجتهد في العفة وصون النفس وهو استفعل بمعنى طلب العفة من نفسه وحملها عليها، وجاء الفك على لغة الحجاز ولا يعلم أحد قرأ وليستعف بالإدغام ﴿الَّذِينَ لا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾. قيل النكاح هنا اسم ما يمهر وينفق في الزواج كاللحاف واللباس لما يلتحف به ويلبس، ويؤيده قوله ﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِا﴾ فالمأمور بالاستعفاف هو من عدم المال الذي يتزوج به ويقوم بمصالح الزوجية. والظاهر أنه أمر ندب لقوله قبل ﴿إِن يَكُونُوا فُقَرَآءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِن فَضْلِهِا﴾.
ومعنى ﴿لا يَجِدُونَ نِكَاحًا﴾ أي لا يتمكنون من الوصول إليه، فالمعنى أنه أمر بالاستعفاف كل من تعذر عليه النكاح ولا يجده بأي وجه تعذر، ثم أغلب الموانع عن النكاح عدم المال و﴿حَتَّى يُغْنِيَهُمُ﴾ ترجئة للمستعففين وتقدمة للوعد بالتفضل عليهم، فالمعنى ليكون انتظار ذلك وتأميله لطفاً في استعفافهم وربطاً على قلوبهم، وما أحسن ما ترتبت هذه الأوامر حيث أمر أولاً بما يعصم عن الفتنة ويبعد عن مواقعة المعصية وهو غض البصر، ثم بالنكاح الذي يحصن به الدين ويقع به الاستغناء بالحلال عن الحرام، ثم بالحمل على النفس الأمارة بالسوء وعزفها عن الطموح إلى الشهوة عند العجز عن النكاح إلى أن يرزق القدرة عليه انتهى. وهو من كلام الزمخشري وهو حسن، ولما بعث السيد على تزويج الصالحين من العبيد والإماء رغبهم في أن يكاتبوهم إذا طلبوا ذلك ليصيروا أحراراً فيتصرفون في أنفسهم.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٠
﴿وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـابَ﴾ أي المكاتبة كالعتاب والمعاتبة. ﴿مِمَّا مَلَكَتْ﴾ يعم المماليك الذكور والإناث. و﴿الَّذِينَ﴾ يحتمل أن يكون مبتدأ وخبره الجملة، والفاء دخلت في الخبر لما تضمن الموصول من معنى اسم الشرط، ويحتمل أن يكون منصوباً كما تقول : زيداً فاضربه لأنه يجوز أن تقول زيداً فاضرب، وزيداً اضرب، فإذا دخلت الفاء كان التقدير بنية فاضرب زيداً فالفاء في جواب أمر محذوف، وهذا يوضح في النحو بأكثر من هذا. قال الأزهري : وسمي هذا العقد مكاتبة لما يكتب للعبد على السيد من العتق إذا أدى ما تراضيا عليه من المال،
٤٥١
وما يكتب للسيد على العبد من النجوم التي يؤديها، والظاهر وجوب المكاتبة لقوله ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ وهذا مذهب عطاء وعمرو بن دينار والضحاك وابن سيرين وداود، وظاهر قول عمر لأنه قال لأنس حين سأل سيرين الكتابة فتلكأ أنس كاتبه، أو لأضربنك بالدرة، وذهب مالك وجماعة إلى أنه أمر ندب وصيغتها كاتبتك على كذا، ويعين ما كاتبه عليه، وظاهر الأمر يقتضي أنه لا يشترط تنجيم ولا حلول بل يكون حالاً ومؤجلاً ومنجماً وغير منجم، وهذا مذهب أبي حنيفة.


الصفحة التالية
Icon