وقال الشافعي : لا يجوز على أقل من ثلاثة أنجم. وقال أكثر العلماء : يجوز على نجم واحد. وقال ابن خويز منداد : إذا كاتب على مال معجل كان عتقاً على مال ولم تكن كتابة، وأجاز بعض المالكية الكتابة الحالية وسماها قطاعة. والخير المال قاله ابن عباس ومجاهد وعطاء والضحاك، أو الحيلة التي تقتضي الكسب قاله ابن عباس أيضاً أو الدين قاله الحسن، أو إقامة الصلاة قاله عبيدة السلماني، أو الصدق والوفاء والأمانة قاله الحسن وإبراهيم أو إرادة خير بالكتابة قاله سعيد بن جبير. وقال الشافعي : الأمانة والقوة على الكسب والذي يظهر من الاستعمال أنه الدين يقول : فلان فيه خير فلا يتبادر إلى الذهن إلاّ الصلاح، والأمر بالكتابة مقيد بهذا الشرط، فلو لم يعلم فيه خيراً لم تكن الكتابة مطلوبة بقوله ﴿فَكَاتِبُوهُمْ﴾ والظاهر في ﴿وَءَاتُوهُم﴾ أنه أمر للمكاتبين وكذا قال المفسرون وجمهور العلماء، واختلفوا هل هو على الوجوب أو على الندب ؟ واستحسن ابن مسعود والحسن أن يكون ثلث الكتابة وَعلى ربعها، وقتادة عشرها. وقال عمر : من أول نجومه مبادرة إلى الخير. وقال مالك : من آخر نجم. وقال بريدة والحسن والنخعي وعكرمة والكلبي والمقاتلان : أمر الناس جميعاً بمواساة المكاتب وإعانته. وقال زيد بن أسلم : الخطاب لولاة الأمور أن يعطوا المكاتبين من مال الصدقة حقهم وهو الذي تضمنه قوله ﴿وَفِي الرِّقَابِ﴾.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٠
وقال صاحب النظم : لو كان المراد بالإيتاء الحط لوجب أن تكون العبارة العربية ضعوا عنهم أو قاصوهم، فلما قال ﴿وَءَاتُوهُم﴾ دل على أنه من الزكاة إذ هي مناولة وإعطاء، ويؤكده أنه أمر بإعطاء وما أطلق عليه الإعطاء كان سبيله الصدقة. وقوله ﴿مِن فَضْلِهِا وَالَّذِينَ يَبْتَغُونَ الْكِتَـابَ﴾ هو ما ثبت ملكه للمالك أمر بإخراج بعضه، ومال الكتابة ليس بدين صحيح لأنه على عبده، والمولى لا يثبت له على عبده دين صحيح، وأيضاً ما آتاه الله هو الذي يحصل في يده ويملكه وما يسقطه عقيب العقد لا يحصل له عليه ملك فلا يستحق الصفة بأنه من مالك الله الذي آتاه.
﴿وَلا تُكْرِهُوا فَتَيَـاتِكُمْ عَلَى الْبِغَآءِ﴾ في صحيح مسلم عن جابر إن جارية لعبد الله بن أُبَيّ يقال لها مسيكة وأخرى يقال لها أميمة كان يكرههما على الزنا، فشكيا ذلك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فنزلت. وقيل : كانت له ست معاذة ومسيكة وأميمة وعمرة وأروى وقتيلة جاءته إحداهن ذات يوم بدينار وأخرى ببرد، فقال لهما ارجعا فازنيا، فقالتا : والله لا نفعل ذلك وقد جاءنا الله بالإسلام وحرم الزنا، فأتتا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وشكتا فنزلت والفتاة المملوكة وهذا خطاب للجميع، ويؤكد أن يكون ﴿وَءَاتُوهُم﴾ خطاباً للجميع والنهي عن الإكراه على الزنا مشروط بإرادة التعفف منهن، لأنه لا يمكن الإكراه إلاّ مع إرادة التحصن، أما إذا كانت مريدة للزنا فإنه لا يتصور الإكراه. وكلمه ﴿ءَانٍ﴾ وايثارها على إذا إيذان بأن المسافحات كن يفعلن ذلك برغبة وطواعية منهن، وأن ما وجد من معاذة ومسيكة من خبر الشاذ النادر. وقد ذهب هذا النظر على كثير من المفسرين فقال بعضهم ﴿إِنْ أَرَدْنَ﴾ راجع إلى قوله ﴿وَأَنكِحُوا الايَـامَى مِنكُمْ﴾ وهذا فيه بعد وفصل كثير، وأيضاً فالأيامى يشمل الذكور والإناث، فكان لو أريد هذا المعنى لكان التركيب : إن أرادوا تحصناً فيغلب المذكر على المؤنث. وقال بعضهم : هذا الشرط ملغى. وقال الكرماني : هذا شرط
٤٥٢
في الظاهر وليس بشرط كقوله ﴿عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا﴾ ومع أنه وإن كان لم يعلم خيراً صحت الكتابة.
وقال ابن عيسى : جاء بصيغة الشرط لتفحيش الإكراه على ذلك، وقال : لأنها نزلت على سبب فوقع النهي على تلك الصفة انتهى. و﴿عَرَضَ الْحَيَواةِ الدُّنْيَا﴾ هو ما يكسبنه بالزنا. وقوله ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ جواب للشرط. والصحيح أن التقدير ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لهم ليكون جواب الشرط فيه ضمير يعود على من الذين هو اسم الشرط، ويكون ذلك مشروطاً بالتوبة. ولما غفل الزمخشري وابن عطية وأبو البقاء عن هذا الحكم قدروا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ﴾ ﴿غَفُورٌ رَّحِيمٌ﴾ لهن أي للمكرهات، فعريت جملة جواب الشرط من ضمير يعود على اسم الشرط. وقد ضعف ما قلناه أبو عبد الله الرازي فقال : فيه وجهان أحدهما : فإن الله غفور رحيم لهنّ لأن الإكراه يزيل الإثم والعقوبة من المكره فيما فعل، والثاني : فإن الله غفور رحيم للمكره بشرط التوبة، وهذا ضعيف لأنه على التفسير الأول لا حاجة لهذا الإضمار. وعلى الثاني يحتاج إليه انتهى. وكلامهم كلام من لم يمعن في لسان العرب.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٠


الصفحة التالية
Icon