فإن قلت : قوله ﴿إِكْرَاهِهِنَّ﴾ مصدر أضيف إلى المفعول والفاعل مع المصدر محذوف، والمحذوف كالملفوظ والتقدير من بعد إكراههم إياهنّ والربط يحصل بهذا المحذوف المقدر فلتجز المسألة قلت : لم يعدوا في الروابط الفاعل المحذوف، تقول : هند عجبت من ضربها زيداً فتجوز المسألة، ولو قلت هند عجبت من ضرب زيداً لم تجز. ولما قدر الزمخشري في أحد تقدير أنه لهن أورد سؤالاً فإن قلت : لا حاجة إلى تعليق المغفرة بهن لأن المكرهة على الزنا بخلاف المكره عليه في أنها غير آثمة قلت : لعل الإكراه كان دون ما اعتبرته الشريعة من إكراه بقتل أو بما يخاف منه التلف أو ذهاب العضو من ضرب عنيف وغيره حتى يسلم من الإثم، وربما قصرت عن الحد الذي تعذر فيه فتكون آثمة انتهى. وهذا السؤال والجواب مبنيان على تقدير لهنّ.
وقرأ ﴿مُبَيِّنَـاتٍ﴾ بفتح الياء الحرميان وأبو عمرو وأبو بكر أي بيَّن الله في هذه السورة وأوضح آيات تضمنت أحكاماً وحدوداً وفرائض، فتلك الآيات هي المبينة، ويجوز أن يكون المراد مبيناً فيها ثم اتسع فيكون المبين في الحقيقة غيرها. وهي ظرف للمبين. وقرأ باقي السبعة والحسن وطلحة والأعمش بكسر الياء، فإما أن تكون متعدية أي ﴿مُبَيِّنَـاتٍ﴾ غيرها من الأحكام والحدود، فأسند ذلك إليها مجاذاً، وإما أن تكون لا تتعدى أي بينات في نفسها لا تحتاج إلى موضح بل هي واضحة لقولهم في المثل. قد بيَّن الصبح لذي عينين. أي قد ظهر ووضح. وقوله ﴿وَمَثَلا﴾ معطوف على آيات، فيحتمل أن يكون المعنى ﴿وَمَثَلا﴾ من أمثال الذين من قبلكم، أي قصة غريبة من قصصهم كقصة يوسف ومريم في براءتهما لبراءة من رميت بحديث الإفك لينظروا قدرة الله في خلقه وصنعه فيه فيعتبروا. وقال الضحاك : والمراد بالمثل ما في التوراة والإنجيل من إقامة الحدود، فأنزل في القرآن مثله. وقال مقاتل : أي شبهاً من حالهم في تكذيب الرسل أي بينا لكم ما أحللنا بهم من العذاب لتمردهم، فجعلنا ذلك مثلاً لكم لتعلموا أنكم إذا شاركتموهم في المعصية كنتم مثلهم في استحقاق العقاب. ﴿وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ﴾ أي ما وعظ في الآيات والمثل من نحو قوله ﴿وَلا تَأْخُذْكُم بِهِمَا رَأْفَةٌ﴾ ﴿يَعِظُكُمُ اللَّهُ أَن تَعُودُوا لِمِثْلِهِ﴾ وخص المتقين لأنهم المنتفعون بالموعظة.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٠
٤٥٣
النور في كلام العرب الضوء المدرك بالبصر، فإسناده إلى
٤٥٤
الله تعالى مجاز كما تقول زيد كرم وجود وإسناده على اعتبارين، إما على أنه بمعنى اسم الفاعل أي منوّر السموات والأرض، ويؤيد هذا التأويل قراءة عليّ بن أبي طالب وأبي جعفر وعبد العزيز المكي وزيد بن عليّ وثابت بن أبي حفصة والقورصي ومسلمة بن عبد الملك وأبي عبد الرحمن السلمي وعبد الله بن عياش بن أبي ربيعة ﴿نُورٍ﴾ فعلاً ماضياً و﴿الارْضُ﴾ بالنصب. وإما على حذف أي ذو نور، ويؤيده قوله ﴿مَثَلُ نُورِهِ﴾ ويحتمل أن يجعل نوراً على سبيل المدح، كما قالوا فلان شمس البلاد ونور القبائل وقمرها، وهذا مستفيض في كلام العرب وأشعارها. قال الشاعر :
كأنك شمس والملوك كواكب
وقال : قمر القبائل خالد بن زيد
وقال : إذا سار عبد الله من مرو ليلةفقد سار منها بدرها وجمالها
ويروى نورها، وأضاف النور إلى ﴿السَّمَـاوَاتِ وَالارْضَ﴾ لدلالة على سعة إشراقه وفشو إضاءته حتى يضيء له السموات والأرض، أو يراد أهل السموات والأرض وأنهم يستضيئون به. وقال ابن عباس :﴿نُورُ السَّمَـاوَاتِ﴾ أي هادي أهل السموات. وقال مجاهد : مدبر أمور السموات. وقال الحسن : منور السموات. وقال أبي : الله به نور السموات أو منه نور السموات أي ضياؤها. وقال أبو العالية : مزين السموات بالشمس والقمر والنجوم، ومزين الأرض بالأنبياء والعلماء. وقيل : المنزه من كل عيب امرأة نوار بريئة من الريبة والفحشاء. وقال الكرماني : هو الذي يرى ويرى به مجاز وصف الله به لأنه يرى ويرى بسببه مخلوقاته لأنه خلقها وأوجدها.
جزء : ٦ رقم الصفحة : ٤٥٣


الصفحة التالية
Icon